المسألة الثالثة عشرة : اعلم أن أهل العلم اختلفوا في الظهار المؤقت ، كأن
يقول : أنت علي كظهر أمي شهرا ، أو حتى ينسلخ شهر رمضان مثلا ، فقال بعض أهل العلم : يصح الظهار المؤقت ، وإذا مضى الوقت زال الظهار وحلت المرأة بلا كفارة ، ولا يكون عائدا بالوطء بعد انقضاء الوقت .
قال في " المغني " : وهذا قول
أحمد ، وبه قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ،
وعطاء ،
وقتادة ،
nindex.php?page=showalam&ids=16004والثوري ، وإسحاق ،
nindex.php?page=showalam&ids=11956وأبو ثور ، وأحد قولي
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ، وقوله الأخير : لا يكون ظهارا ، وبه قال
nindex.php?page=showalam&ids=12526ابن أبي ليلى ،
والليث ; لأن الشرع ورد بلفظ الظهار مطلقا ، وهذا لم يطلق فأشبه ما لو شبهها بمن تحرم عليه في وقت دون وقت . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16248طاوس : إذا ظاهر في وقت فعليه الكفارة ، وإن بر . وقال
مالك : يسقط التوقيت ويكون ظهارا مطلقا ; لأن هذا لفظ يوجب تحريم الزوجة ، فإذا وقته لم يتوقت ، كالطلاق .
قال مقيده عفا الله عنه وغفر له : أقرب الأقوال عندي للصواب في هذه المسألة قول من قال : إن الظهار المؤقت يصح ويزول بانقضاء الوقت ; لأنه جاء ما يدل عليه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث حسنه
الترمذي ، وصححه
nindex.php?page=showalam&ids=13114ابن خزيمة ،
nindex.php?page=showalam&ids=12644وابن الجارود ، وبعض طرقه لا يقل عن درجة الحسن ، وإن أعل
عبد الحق وغيره بعض طرقه بالإرسال ; لأن حديثا صححه بعض أهل العلم أقرب للصواب مما لم يرد فيه شيء أصلا .
قال
أبو داود في " سننه " : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16544عثمان بن أبي شيبة ،
ومحمد بن العلاء المعني قالا : ثنا
ابن إدريس ، عن
محمد بن إسحاق ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=17003محمد بن عمرو بن عطاء ، قال
ابن [ ص: 210 ] العلاء بن علقمة بن عياش ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16049سليمان بن يسار ، عن
سلمة بن صخر ،
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009345قال ابن العلاء البياضي ، قال : كنت امرأ أصيب من النساء ما لا يصيب غيري ، فلما دخل شهر رمضان خفت أن أصيب من امرأتي شيئا يتابع بي حتى أصبح ، فظاهرت منها حتى ينسلخ شهر رمضان ، فبينا هي تخدمني ذات ليلة إذ تكشف لي منها شيء ، فلم ألبث أن نزوت عليها فلما أصبحت خرجت إلى قومي ، فأخبرتهم الخبر . . . الحديث بطوله ، وفيه : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمره بعتق رقبة ، فذكر أنه لا يجد رقبة ، فأمره بصيام شهرين فذكر أنه لا يقدر ، فأمره بإطعام ستين مسكينا فذكر كذلك ، فأعطاه - صلى الله عليه وسلم - صدقة قومه بني زريق من التمر ، وأمره أن يطعم وسقا منها ستين مسكينا ويستعين بالباقي ، ومحل الشاهد من الحديث : أنه ظاهر من امرأته ظهارا مؤقتا بشهر رمضان ، وجامع في نفس الشهر الذي جعله وقتا لظهاره ، فدل ذلك على أن الظهار المؤقت يصح ، ويلزم ولو كان توقيته لا يصح لبين - صلى الله عليه وسلم - ذلك ، ولو كان يتأبد ويسقط حكم التوقيت لبينه - صلى الله عليه وسلم - ; لأن البيان لا يجوز تأخيره عن وقت الحاجة إليه .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13948أبو عيسى الترمذي في " جامعه " : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=15106إسحاق بن منصور ، ثنا
هارون بن إسماعيل الخزاز ، ثنا
علي بن المبارك ، ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17298يحيى بن أبي كثير ، ثنا
أبو سلمة ،
ومحمد بن عبد الرحمن : أن
سلمان بن صخر الأنصاري أحد
بني بياضة ، جعل امرأته عليه كظهر أمه حتى يمضي رمضان . . . الحديث ، ثم قال
الترمذي بعد أن ساقه : هذا حديث حسن ، يقال
سلمان بن صخر ، ويقال :
سلمة بن صخر البياضي ، والعمل على هذا الحديث عند أهل العلم في كفارة الظهار ، اهـ .
وهذه الطريق التي أخرج بها
الترمذي هذا الحديث غير طريق
أبي داود التي أخرجه بها ، وكلتاهما تقوي الأخرى ، والظاهر أن إسناد
الترمذي هذا لا يقل عن درجة الحسن ، وما ذكروه من أن
علي بن المبارك المذكور فيه كان له عن
nindex.php?page=showalam&ids=17298يحيى بن أبي كثير كتابان أحدهما سماع ، والآخر إرسال ، وأن حديث الكوفيين عنه فيه شيء لا يضر الإسناد المذكور ; لأن الراوي عنه فيه وهو
هارون بن إسماعيل الخزاز بصري لا كوفي ، ولما ساق المجد في " المنتقى " حديث
سلمة بن صخر المذكور ، قال : رواه
أحمد وأبو داود nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي ، وقال : حديث حسن . وقال
الشوكاني في " نيل الأوطار " : وأخرجه أيضا
الحاكم ، وصححه
nindex.php?page=showalam&ids=13114ابن خزيمة ،
nindex.php?page=showalam&ids=12644وابن الجارود ، وقد أعله
عبد الحق بالانقطاع ، وأن
nindex.php?page=showalam&ids=16049سليمان بن يسار لم يدرك
سلمة ، وقد حكى ذلك
الترمذي عن nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ، وفي إسناده أيضا
محمد بن إسحاق ، اهـ كلام
الشوكاني .
وقد علمت أن الإسناد الذي ذكرنا عن
الترمذي ليس فيه
nindex.php?page=showalam&ids=16049سليمان بن يسار ، ولا
ابن [ ص: 211 ] إسحاق ، فالظاهر صلاحية الحديث للاحتجاج ، كما ذكره
الترمذي وغيره .
وبذلك تعلم أن الصواب في هذه المسألة إن شاء الله هو ما ذكرنا ، والعلم عند الله تعالى .