الفرع التاسع : في حكم ما لو
جامع المظاهر منها أو غيرها ليلا ، في أثناء صيام شهري الكفارة ، وفي هذا الفرع تفصيل لأهل العلم .
اعلم أنه إن جامع في نهار صوم الكفارة عمدا انقطع تتابع صومه إجماعا ، ولزمه استئناف الشهرين من جديد ، وسواء في ذلك كانت الموطوءة هي المظاهر منها أو غيرها وهذا لا نزاع فيه ، وكذلك لو أكل أو شرب عمدا في نهار الصوم المذكور ، وأما إن كان جماعه ليلا في زمن صوم الكفارة ، فإن كانت المرأة التي جامعها زوجة أخرى غير المظاهر منها ، فإن ذلك لا يقطع التتابع ; لأن وطء غير المظاهر منها ليلا زمن الصوم مباح له شرعا ، ولا يخل بتتابع الصوم في أيام الشهرين كما ترى ، وهذا لا ينبغي أن يختلف فيه .
وقال في " المغني " : وليس في هذا اختلاف نعلمه ، وأما إن كان التي وطئها ليلا زمن الصوم هي الزوجة المظاهر منها ، فقد اختلف في ذلك أهل العلم ، فقال بعضهم : ينقطع التتابع بذلك ويلزمه استئناف الشهرين . وبه قال
أبو حنيفة ،
ومحمد بن الحسن ، وهو مذهب
مالك وأحمد في المشهور عنهما .
[ ص: 223 ] وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13439ابن قدامة في " المغني " في شرحه لقول
الخرقي : وإن أصابها في ليال الصوم أفسد ما مضى من صيامه وابتدأ الشهرين ، ما نصه : وبهذا قال
مالك ،
nindex.php?page=showalam&ids=16004والثوري ،
وأبو عبيد ، وأصحاب الرأي ; لأن الله تعالى قال :
فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا ، فأمر بهما خاليين عن وطء ، ولم يأت بهما على ما أمر ، فلم يجزئه ، كما لو وطئ نهارا ولأنه تحريم للوطء لا يختص بالنهار ، فاستوى فيه الليل والنهار ، كالاعتكاف .
وروى
الأثرم عن
أحمد : أن التتابع لا ينقطع بهذا ويبني ، وهو مذهب
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ،
nindex.php?page=showalam&ids=11956وأبي ثور ،
وابن المنذر ; لأنه وطء لا يبطل الصوم ، فلا يوجب الاستئناف كوطء غيرها ، ولأن التتابع في الصيام عبارة عن إتباع صوم يوم للذي قبله من غير فارق ، وهذا متحقق ، وإن وطئ ليلا ، وارتكاب النهي في الوطء قبل إتمامه إذا لم يخل بالتتابع المشترط لا يمنع صحته وإجزاءه ، كما لو وطئ قبل الشهرين ، أو وطئ ليلة أول الشهرين ، وأصبح صائما ، والإتيان بالصوم قبل التماس في حق هذا لا سبيل إليه ، سواء بنى أو استأنف ، انتهى محل الغرض من كلام صاحب " المغني " ، وممن قال بهذا القول :
أبو يوسف .
قال مقيده عفا الله عنه وغفر له : هذا القول الأخير الذي هو عدم انقطاع التتابع بجماعه للمظاهر منها في ليال الصوم ، هو الأظهر عندي ; لأن الصوم فيه مطابق لمنطوق الآية في التتابع ، لأن الله تعالى قال :
فصيام شهرين متتابعين ، وهذا قد صام شهرين متتابعين ، ولم يفصل بين يومين منهما بفاصل ، فالتتابع المنصوص عليه واقع قطعا ; كما ترى . وكون صومهما متابعين قبل المسيس واجب بقوله تعالى :
من قبل أن يتماسا ، لا يظهر أنه يبطل حكم التتابع الواقع بالفعل ، ومما يوضحه ما ذكرنا آنفا في كلام صاحب " المغني " من أنه لو جامعها قبل شروعه في صوم الشهرين ، ثم صامهما متتابعين بعد ذلك ، فلا يبطل حكم
التتابع بالوطء قبل الشروع في الصوم ، ولا يقتضي قوله تعالى :
من قبل أن يتماسا بطلانه ، والعلم عند الله تعالى