مسألة تتعلق بهذه الآية الكريمة أعني آية الحجاب هذه
اعلم : أنه لا يجوز للرجل الأجنبي أن
يصافح امرأة أجنبية منه .
ولا يجوز له أن
يمس شيء من بدنه شيئا من بدنها .
والدليل على ذلك أمور :
الأول : أن النبي صلى الله عليه وسلم ثبت عنه أنه قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008850 " إني لا أصافح النساء " ، الحديث . والله يقول :
لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة [ 33 \ 21 ] ، فيلزمنا ألا نصافح النساء اقتداء به صلى الله عليه وسلم ، والحديث المذكور موضح في سورة " الحج " ، في الكلام على النهي عن
لبس المعصفر مطلقا في الإحرام وغيره للرجال . وفي سورة " الأحزاب " ، في آية الحجاب هذه .
وكونه صلى الله عليه وسلم لا يصافح النساء وقت البيعة دليل واضح على أن الرجل لا يصافح المرأة ، ولا يمس شيء من بدنه شيئا من بدنها ; لأن أخف أنواع اللمس المصافحة ، فإذا امتنع منها صلى الله عليه وسلم في الوقت الذي يقتضيها وهو وقت المبايعة ، دل ذلك على أنها لا تجوز ، وليس لأحد مخالفته صلى الله عليه وسلم ، لأنه هو المشرع لأمته بأقواله وأفعاله وتقريره .
[ ص: 257 ] الأمر الثاني : هو ما قدمنا من أن المرأة كلها عورة يجب عليها أن تحتجب ، وإنما أمر بغض البصر خوف الوقوع في الفتنة ، ولا شك أن مس البدن للبدن ، أقوى في إثارة الغريزة ، وأقوى داعيا إلى الفتنة من النظر بالعين ، وكل منصف يعلم صحة ذلك .
الأمر الثالث : أن ذلك ذريعة إلى التلذذ بالأجنبية ، لقلة تقوى الله في هذا الزمان وضياع الأمانة ، وعدم التورع عن الريبة ، وقد أخبرنا مرارا أن بعض الأزواج من العوام ، يقبل أخت امرأته بوضع الفم على الفم ويسمون ذلك التقبيل الحرام بالإجماع سلاما ، فيقولون : سلم عليها ، يعنون : قبلها ، فالحق الذي لا شك فيه التباعد عن جميع الفتن والريب وأسبابها ، ومن أكبرها لمس الرجل شيئا من بدن الأجنبية ، والذريعة إلى الحرام يجب سدها ; كما أوضحناه في غير هذا الموضع ، وإليه الإشارة بقول صاحب " مراقي السعود " :
سد الذرائع إلى المحرم حتم كفتحها إلى المنحتم