قوله تعالى :
وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا . قد قدمنا الآيات الموضحة له في سورة " الأعراف " ، في الكلام على قوله تعالى :
قل ياأيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا [ 7 \ 158 ] ، وفي غير ذلك من المواضع . وقوله تعالى :
إلا كافة للناس ، استشهد به بعض علماء العربية على جواز
تقدم الحال على صاحبها المجرور بالحرف ; كما أشار له
ابن مالك في " الخلاصة " بقوله :
وسبق حال ما بحرف جر قد أبوا ولا أمنعه فقد ورد
قالوا : لأن المعنى :
وما أرسلناك إلا كافة للناس ، أي : جميعا ، أي : أرسلناك للناس في حال كونهم مجتمعين في رسالتك ، وممن أجاز ذلك
أبو علي الفارسي ،
وابن كيسان ،
وابن برهان ، ولذلك شواهد في شعر العرب ; كقول
nindex.php?page=showalam&ids=2265طليحة بن خويلد الأسدي :
فإن تك أذواد أصبن ونسوة فلن يذهبوا فرغا بقتل حبال
وكقول
كثير :
لئن كان برد الماء هيمان صاديا إلي حبيبا إنها لحبيب
وقول الآخر :
تسليت طرا عنكم بعد بينكم بذكركم حتى كأنكم عندي
وقول الآخر :
غافلا تعرض المنية للمرء فيدعى ولات حين إباء
[ ص: 271 ] وقوله :
مشغوفة بك قد شغفت وإنما حم الفراق فما إليك سبيل
وقوله :
إذا المرء أعيته المروءة ناشئا فمطلبها كهلا عليه شديد
فقوله في البيت الأول : فرغا ، أي : هدرا ، حال وصاحبه المجرور بالباء الذي هو بقتل ، وحبال اسم رجل . وقوله في البيت الثاني : هيمان صاديا ، حالان من ياء المتكلم المجرورة بإلى في قوله : إلي حبيبا . وقوله في البيت الثالث : طرا حال من الضمير المجرور بعن ، في قوله : عنكم ، وهكذا وتقدم الحال على صاحبها المجرور بالحرف منعه أغلب النحويين .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري في " الكشاف " ، في تفسير قوله تعالى :
وما أرسلناك إلا كافة للناس ، إلا رسالة عامة لهم محيطة بهم ; لأنهم إذا شملتهم ، فإنها قد كفتهم أن يخرج منها أحد منهم .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج : المعنى : أرسلناك جامعا للناس في الإنذار والإبلاغ فجعله حالا من الكاف ، وحق التاء على هذا أن تكون للمبالغة كتاء الراوية والعلامة ، ومن جعله حالا من المجرور متقدما عليه فقد أخطأ ; لأن تقدم حال المجرور عليه في الإحالة بمنزلة تقدم المجرور على الجار ، وكم ترى ممن يرتكب هذا الخطأ ثم لا يقنع به حتى يضم إليه أن يجعل اللام بمعنى إلى ; لأنه لا يستوي له الخطأ الأول إلا بالخطأ الثاني ، فلا بد له من ارتكاب الخطأين ، اه منه .
وقال الشيخ
الصبان في حاشيته على
الأشموني : جعل
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري كافة صفة لمصدر محذوف ، أي : رسالة كافة للناس ، ولكن اعترض بأن كافة مختصة بمن يعقل وبالنصب على الحال كطرا وقاطبة ، انتهى محل الغرض منه . وما ذكره
الصبان في كافة هو المشهور المتداول في كلام العرب ، وأوضح ذلك
أبو حيان في " البحر " ، والعلم عند الله تعالى .
قوله تعالى :
ولكن أكثر الناس لا يعلمون .
[ ص: 272 ] قد بينا الآيات الموضحة له في سورة " الأنعام " ، في الكلام على قوله تعالى :
وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك الآية [ 6 \ 116 ] ، وغير ذلك من المواضع .