قوله تعالى :
بل الذين كفروا في عزة وشقاق . قد قدمنا الكلام قريبا على الإضراب بـ " بل " في هذه الآية .
وقوله تعالى هنا :
في عزة أي : حمية واستكبار عند قبول الحق ، وقد بين جل وعلا في سورة البقرة أن من أسباب أخذ العزة المذكورة بالإثم للكفار أمرهم بتقوى الله ، وبين أن تلك العزة التي هي الحمية والاستكبار عن قبول الحق من أسباب دخولهم جهنم ، وذلك في قوله عن بعض الكفار الذين يظهرون غير ما يبطنون :
وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم فحسبه جهنم ولبئس المهاد [ 2 \ 206 ] .
والظاهر أن وجه إطلاق العزة على الحمية والاستكبار : أن من اتصف بذلك كأنه
[ ص: 330 ] ينزل نفسه منزلة الغالب القاهر ، وإن كان الأمر ليس كذلك ، لأن أصل العزة في لغة العرب الغلبة والقهر ، ومنه قوله تعالى :
ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين الآية [ 63 \ 8 ] ، والعرب يقولون : من عزيز ، يعنون من غلب استلب ، ومنه قول
الخنساء :
كأن لم يكونوا حمى يحتشى إذ الناس إذ ذاك من عزيزا
وقوله تعالى عن الخصم الذين تسوروا على
داود :
وعزني في الخطاب [ 38 \ 23 ] أي غلبني ، وقهرني في الخصومة .
والدليل من القرآن على أن العزة التي أثبتها الله للكفار في قوله :
بل الذين كفروا في عزة الآية . وقوله :
أخذته العزة بالإثم الآية [ 2 \ 206 ] ، ليست هي العزة التي يراد بها القهر والغلبة بالفعل ، أن الله خص بهذه العزة المؤمنين دون الكافرين والمنافقين ، وذلك في قوله تعالى :
يقولون لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين [ 63 \ 8 ] .
ولذلك فسرها علماء التفسير ، بأنها هي الحمية والاستكبار ، عن قبول الحق .
والشقاق : هي المخالفة ، والمعاندة كما قال تعالى :
وإن تولوا فإنما هم في شقاق الآية [ 2 \ 137 ] . قال بعض العلماء : وأصله من الشق الذي هو الجانب ، لأن المخالف المعاند ، يكون في الشق أي في الجانب الذي ليس فيه من هو مخالف له ومعاند .
وقال بعض أهل العلم : أصل الشقاق من المشقة ; لأن المخالف المعاند يجتهد في إيصال المشقة إلى من هو مخالف معاند .
وقال بعضهم : أصل الشقاق من شق العصا وهو الخلاف والتفرق .