تنبيه
فإن قيل : عموم قوله تعالى :
إلا ما ملكت أيمانكم ، لا يختص بالمسبيات ، بل ظاهر هذا العموم أن كل أمة متزوجة إذا ملكها رجل آخر فهي تحل له بملك اليمين ويرتفع حكم الزوجية بذلك الملك ، والآية وإن نزلت في خصوص المسبيات كما ذكرنا ،
[ ص: 235 ] فالعبرة بعموم الألفاظ لا بخصوص الأسباب ، فالجواب : أن جماعة من السلف قالوا بظاهر هذا العموم ، فحكموا بأن بيع الأمة مثلا يكون طلاقا لها من زوجها أخذا بعموم هذه الآية ، ويروى هذا القول عن ابن مسعود ،
nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس ،
nindex.php?page=showalam&ids=34وأبي بن كعب ،
nindex.php?page=showalam&ids=36وجابر بن عبد الله ،
nindex.php?page=showalam&ids=15990وسعيد بن المسيب ،
والحسن ومعمر ، كما نقله عنهم
ابن كثير وغيره ، ولكن التحقيق في هذه المسألة هو ما ذكرنا من اختصاص هذا الحكم بالمسبيات دون غيرها من المملوكات بسبب آخر غير السبي ، كالبيع مثلا وليس من تخصيص العام بصورة سببه . وأوضح دليل في ذلك قصة
nindex.php?page=showalam&ids=216بريرة المشهورة مع زوجها
مغيث .
قال
ابن كثير في تفسير هذه الآية بعد ذكره أقوال الجماعة التي ذكرنا في أن البيع طلاق ، ما نصه : وقد خالفهم الجمهور قديما وحديثا ، فرأوا أن
بيع الأمة ليس طلاقا لها ; لأن المشتري نائب عن البائع ، والبائع كان قد أخرج عن ملكه هذه المنفعة ، وباعها مسلوبة عنه ، واعتمدوا في ذلك على
nindex.php?page=hadith&LINKID=2003038حديث nindex.php?page=showalam&ids=216بريرة المخرج في " الصحيحين " وغيرهما ، فإن عائشة أم المؤمنين اشترتها ، وأعتقتها ولم ينفسخ نكاحها من زوجها مغيث ، بل خيرها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين الفسخ والبقاء ، فاختارت الفسخ وقصتها مشهورة ، فلو كان بيع الأمة طلاقها كما قال هؤلاء ما خيرها النبي - صلى الله عليه وسلم - فلما خيرها دل على بقاء النكاح ، وأن المراد من الآية المسبيات فقط ، والله أعلم . اهـ منه لفظه .
فإن قيل : إن كان المشتري امرأة لم ينفسخ النكاح ; لأنها لا تملك الاستمتاع ببضع الأمة ، بخلاف الرجل ، وملك اليمين أقوى من ملك النكاح ، كما قال بهذا جماعة ، ولا يرد على هذا القول حديث
nindex.php?page=showalam&ids=216بريرة ، فالجواب هو ما حرره
ابن القيم ، وهو أنها إن لم تملك الاستمتاع ببضع أمتها ، فهي تملك المعاوضة عليه وتزويجها وأخذ مهرها ، وذلك كملك الرجل وإن لم تستمتع بالبضع ، فإذا حققت ذلك علمت أن التحقيق في معنى الآية وحرمت عليكم المحصنات أي : المتزوجات ، إلا ما ملكت أيمانكم بالسبي من الكفار ، فلا منع في وطئهن بملك اليمين بعد الاستبراء ; لانهدام الزوجية الأولى بالسبي كما قررنا ، وكانت أم المؤمنين
nindex.php?page=showalam&ids=149جويرية بنت الحارث - رضي الله عنها - متزوجة برجل اسمه
مسافع ، فسبيت في غزوة
بني المصطلق وقصتها معروفة . قال ناظم قرة الأبصار في
جويرية رضي الله عنها :
[ الرجز ]
وقد سباها في غزاة المصطلق من بعلها مسافع بالمنزلق
ومراده بالمنزلق السيف ، ثم إن العلماء اختلفوا في
السبي ، هل يبطل حكم الزوجية [ ص: 236 ] الأولى مطلقا ولو سبي الزوج معها ، وهو ظاهر الآية أو لا يبطله إلا إذا سبيت وحدها دونه ؟ فإن سبي معها فحكم الزوجية باق ، وهو قول
أبي حنيفة وبعض أصحاب
أحمد والعلم عند الله تعالى .