قوله تعالى :
ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات ، ظاهر هذه الآية الكريمة أن الأمة لا يجوز نكاحها ، ولو عند الضرورة إلا إذا كانت مؤمنة بدليل قوله :
من فتياتكم المؤمنات [ 4 \ 25 ] ، فمفهوم مخالفته أن غير المؤمنات من الإماء لا يجوز نكاحهن على كل حال ، وهذا المفهوم يفهم من مفهوم آية أخرى وهي قوله تعالى :
والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب [ 5 \ 5 ] ، فإن المراد بالمحصنات فيها الحرائر على أحد الأقوال ، ويفهم منه أن الإماء الكوافر لا يحل نكاحهن ولو كن كتابيات ، وخالف الإمام
أبو حنيفة - رحمه الله - فأجاز
نكاح الأمة الكافرة ، وأجاز نكاح الإماء لمن عنده طول ينكح به الحرائر ; لأنه لا يعتبر مفهوم المخالفة كما عرف في أصوله رحمه الله .
أما
وطء الأمة الكافرة بملك اليمين ، فإنها إن كانت كتابية فجمهور العلماء على إباحة وطئها بالملك ، لعموم قوله تعالى :
إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم الآية [ 23 \ 6 ] ، ولجواز نكاح حرائرهم فيحل التسري بالإماء منهم . وأما إن كانت الأمة المملوكة له مجوسية أو عابدة وثن ممن لا يحل نكاح حرائرهم ; فجمهور العلماء على منع وطئها بملك اليمين .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=13332ابن عبد البر : وعليه جماعة فقهاء الأمصار وجمهور العلماء ، وما خالفه فهو شذوذ لا يعد خلافا ، ولم يبلغنا إباحة ذلك إلا عن
nindex.php?page=showalam&ids=16248طاوس .
قال مقيده عفا الله عنه : الذي يظهر من جهة الدليل والله تعالى أعلم جواز وطء الأمة بملك اليمين وإن كانت عابدة وثن أو مجوسية ; لأن أكثر السبايا في عصره - صلى الله عليه وسلم - من
[ ص: 239 ] كفار العرب وهم عبدة أوثان ، ولم ينقل عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه حرم وطأهن بالملك لكفرهن ولو كان حراما لبينه ، بل قال صلى الله عليه وسلم : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007249لا توطأ حامل حتى تضع ، ولا غير ذات حمل حتى تحيض حيضة " ، ولم يقل حتى يسلمن ولو كان ذلك شرطا لقاله وقد أخذ الصحابة سبايا
فارس وهن مجوس ، ولم ينقل أنهم اجتنبوهن حتى أسلمن .
قال
ابن القيم في " زاد المعاد " ما نصه : ودل هذا القضاء النبوي على جواز وطء الإماء الوثنيات بملك اليمين ، فإن سبايا
أوطاس لم يكن كتابيات ، ولم يشترط رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في وطئهن إسلامهن ، ولم يجعل المانع منه إلا الاستبراء فقط ، وتأخير البيان عن وقت الحاجة ممتنع مع أنهم حديثو عهد بالإسلام ويخفى عليهم حكم هذه المسألة وحصول الإسلام من جميع السبايا ، وكن عدة آلاف بحيث لم يتخلف منهن عن الإسلام جارية واحدة مما يعلم أنه في غاية البعد ، فإنهن لم يكرهن على الإسلام ، ولم يكن لهن من البصيرة والرغبة والمحبة في الإسلام ما يقتضي مبادرتهن إليه جميعا ، فمقتضى السنة وعمل الصحابة في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبعده جواز وطء المملوكات على أي دين كن ، وهذا مذهب
nindex.php?page=showalam&ids=16248طاوس وغيره ، وقواه صاحب " المغني " فيه ورجح أدلته ، وبالله التوفيق . ا هـ كلام
ابن القيم بلفظه وهو واضح جدا .