قوله تعالى :
وجيء بالنبيين والشهداء وقضي بينهم بالحق وهم لا يظلمون ووفيت كل نفس ما عملت . اختلف العلماء في المراد بالشهداء في هذه الآية الكريمة ، فقال بعضهم : هم الحفظة من الملائكة الذين كانوا يحصون أعمالهم في الدنيا ، واستدل من قال هذا بقوله تعالى
وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد [ 50 \ 21 ] .
وقال بعض العلماء : الشهداء
أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، يشهدون على الأمم ، كما قال تعالى :
وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا .
[ ص: 368 ] وقيل : الشهداء الذين قتلوا في سبيل الله ، وأظهر الأقوال في الآية عندي ، أن الشهداء هم الرسل من البشر ، الذين أرسلوا إلى الأمم ، لأنه لا يقضي بين الأمة حتى يأتي رسولها ، كما صرح تعالى بذلك في سورة
يونس في قوله تعالى :
ولكل أمة رسول فإذا جاء رسولهم قضي بينهم بالقسط وهم لا يظلمون [ 10 \ 47 ] فصرح جل وعلا بأنه يسأل الرسل عما أجابتهم به أممهم ، كما قال تعالى :
يوم يجمع الله الرسل فيقول ماذا أجبتم [ 5 \ 109 ] وقال تعالى :
فلنسألن الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسلين [ 7 \ 6 ] وقد يشير إلى ذلك قوله تعالى :
فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا [ 4 \ 41 ] لأن كونه صلى الله عليه وسلم هو الشهيد على هؤلاء الذين هم أمته ، يدل على أن الشهيد على كل أمة هو رسولها .
وقد بين تعالى أن الشهيد على كل أمة من أنفس الأمة ، فدل على أنه ليس من الملائكة ، وذلك في قوله تعالى :
ويوم نبعث في كل أمة شهيدا عليهم من أنفسهم [ 16 \ 89 ] والرسل من أنفس الأمم كما قال تعالى في نبينا
محمد صلى الله عليه وسلم :
لقد جاءكم رسول من أنفسكم [ 9 \ 128 ] . وقال تعالى :
لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم الآية [ 3 \ 164 ] .
والمسوغ للإيجاز بحذف الفاعل في قوله تعالى :
وجيء بالنبيين [ 39 \ 69 ] هو أنه من المعلوم الذي لا نزاع فيه ، أنه لا يقدر على المجيء بهم إلا الله وحده جل وعلا .
وقرأ هذا الحرف عامة السبعة غير
nindex.php?page=showalam&ids=15080الكسائي وهشام عن
ابن عامر ، وجيء بكسر الجيم كسرة خالصة .
وقرأه
nindex.php?page=showalam&ids=15080الكسائي وهشام عن
ابن عامر بإشمام الكسرة الضم .
وإنما كان الإشمام هنا جائزا ، والكسر جائزا ، لأنه لا يحصل في الآية البتة ، لبس بين المبني للفاعل ، والمبني للمفعول ، إذ من المعلوم أن قوله هنا : وجيء مبني للمفعول ولا يحتمل البناء للفاعل بوجه ، وما كان كذلك جاز فيه الكسر الخالص وإشمام الكسرة الضم كما أشار له في الخلاصة بقوله :
واكسر أو أشمم فا ثلاثي أعل عينا وضم حاء كبوع فاحتمل
[ ص: 369 ] أما إذا أسند ذلك الفعل إلى ضمير الرفع المتصل ، فإن ذلك قد يؤدي إلى اللبس ، فيشتبه المبني للمفعول ، بالمبني للفاعل ، فيجب حينئذ اجتناب الشكل الذي يوجب اللبس ، والإتيان بما يزيل اللبس من شكل أو إشمام كما أشار له في الخلاصة بقوله :
وإن بشكل خيف لبس يجتنب
ومن أمثلة ذلك قول الشاعر ، وقد أنشده صاحب اللسان :
وإني على المولى وإن قل نفعه دفوع إذا ما ضمت غير صبور
فقوله : ضمت أصله ضيمت بالبناء للمفعول فيجب الإشمام أو الضم ; لأن الكسر الخالص يجعله محتملا للبناء للفاعل كبعت وسرت . وقول
جرير يرثي
المرار بن عبد الرحمن بن أبي بكرة :
وأقول من جزع وقد فتنا به ودموع عيني في الرداء غزار
للدافنين أخا المكارم والندا لله ما ضمنت بك الأحجار
أصله فوتنا بالبناء للمفعول فيجب الكسر أو الإشمام ; لأن الضم الخالص يجعله محتملا للبناء للفاعل ، كقلنا وقمنا .