قوله - تعالى - :
إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم أجر غير ممنون .
الأجر جزاء العمل ،
وجزاء عمل الذين آمنوا وعملوا الصالحات هو نعيم الجنة ، وذلك الجزاء ( غير ممنون ) أي غير مقطوع ، فالممنون اسم مفعول منه بمعنى قطعه ، ومنه قول
لبيد بن ربيعة في معلقته :
لمعفر قهد تنازع شلوه غبس كواسب ما يمن طعامها
فقوله : ما يمن طعامها ، أي ما يقطع . وقول
ذي الأصبع :
إني لعمرك ما بابي بذي غلق على الصديق ولا خيري بممنون
وما تضمنته هذه الآية الكريمة من أن أجرهم غير ممنون - نص الله - تعالى - عليه في آيات أخر من كتابه ، كقوله - تعالى - في آخر سورة الانشقاق :
إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم أجر غير ممنون [ 84 \ 25 ] . وقوله - تعالى - في سورة التين :
إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم أجر غير ممنون [ 95 \ 6 ] . وقوله - تعالى - في سورة هود :
وأما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك عطاء غير مجذوذ [ 11 \ 108 ] .
فقوله : ( غير مجذوذ ) أي غير مقطوع ، وبه تعلم أن ( غير مجذوذ ) و ( غير ممنون ) - معناهما واحد .
وقوله - تعالى - في " ص " :
إن هذا لرزقنا ما له من نفاد [ 38 \ 54 ] أي ما له من انتهاء ولا انقطاع . وقوله في " النحل " :
ما عندكم ينفد وما عند الله باق [ 16 \ 96 ] .
[ ص: 12 ] وهذا الذي ذكرنا هو الذي عليه الجمهور خلافا لمن قال : إن معنى ( غير ممنون ) غير ممنون عليهم به .
وعليه ; فالمن في الآية من جنس المن المذكور في قوله - تعالى - :
لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى [ 2 \ 264 ] .
ومن قال : إن معنى ( غير ممنون ) غير منقوص ، محتجا بأن العرب تطلق الممنون على المنقوص ، قالوا : ومنه قول
زهير :
فضل الجياد على الخيل البطاء فلا يعطى بذلك ممنونا ولا نزقا
فقوله : ممنونا ، أي منقوصا .
وهذا وإن صح لغة ، فالأظهر أنه ليس معنى الآية .
بل معناها هو ما قدمنا . والعلم عند الله - تعالى - .