قوله - تعالى - :
ويوم يحشر أعداء الله إلى النار فهم يوزعون .
قرأ هذا الحرف عامة القراء غير
نافع ( يحشر ) بضم الياء وفتح الشين مبنيا للمفعول ، ( أعداء الله ) بالرفع على أنه نائب الفاعل .
وقرأه
نافع وحمزة ، من السبعة ( نحشر أعداء الله ) بالنون المفتوحة الدالة على العظمة ، وضم الشين مبنيا للفاعل ، ( أعداء الله ) بالنصب على أنه مفعول به ، أي واذكر
ويوم يحشر أعداء الله أي يجمعون إلى النار .
وما دلت عليه هذه الآية من أن لله أعداء ، وأنهم يحشرون يوم القيامة إلى النار - جاء مذكورا في آيات أخر; فبين في بعضها أن له أعداء ، وأن أعداءه هم أعداء المؤمنين ، وأن جزاءهم النار ، كقوله - تعالى - :
من كان عدوا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال فإن الله عدو للكافرين [ 2 \ 98 ] . وقوله - تعالى - :
ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم [ 8 \ 60 ] . وقوله - تعالى - :
ياأيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم الآية
[ ص: 25 ] [ 60 \ 1 ] . وقوله - تعالى - :
فليلقه اليم بالساحل يأخذه عدو لي وعدو له [ 20 \ 39 ] . وقوله - تعالى - :
ذلك جزاء أعداء الله النار لهم فيها دار الخلد الآية [ 41 \ 28 ] . إلى غير ذلك من الآيات .
وقوله - تعالى - في هذه الآية الكريمة
فهم يوزعون أي يرد أولهم إلى آخرهم ، ويلحق آخرهم بأولهم ، حتى يجتمعوا جميعا ، ثم يدفعون في النار ، وهو من قول العرب : وزعت الجيش ، إذا حبست أوله على آخره حتى يجتمع .
وأصل الوزع الكف ، تقول العرب وزعه يزعه وزعا فهو وازع له ، إذا كفه عن الأمر ، ومنه قول
نابغة ذبيان :
على حين عاتبت المشيب على الصبا فقلت ألما أصح والشيب وازع
وقول الآخر :
ولن يزع النفس اللجوج عن الهوى من الناس إلا وافر العقل كامله
وبما ذكرنا تعلم أن أصل معنى ( يوزعون ) أي يكف أولهم عن التقدم وآخرهم عن التأخر ، حتى يجتمعوا جميعا .
وذلك يدل على أنهم يساقون سوقا عنيفا ، يجمع به أولهم مع آخرهم .
وقد بين - تعالى - أنهم يساقون إلى النار في حال كونهم عطاشا في قوله - تعالى - :
ونسوق المجرمين إلى جهنم وردا [ 19 \ 86 ] . ولعل الوزع المذكور في الآية يكون في الزمرة الواحدة من زمر أهل النار ; لأنهم يساقون إلى النار زمرا زمرا ، كما قدمنا الآيات الموضحة له في سورة " الزمر " في الكلام على قوله - تعالى - :
وسيق الذين كفروا إلى جهنم زمرا الآية [ 39 \ 71 ] .