قوله - تعالى - :
والذين اتخذوا من دونه أولياء الله حفيظ عليهم وما أنت عليهم بوكيل .
قوله - تعالى - في هذه الآية الكريمة :
اتخذوا من دونه أولياء . أي أشركوا معه شركاء يعبدونهم من دونه ، كما أوضح - تعالى - ذلك في قوله :
والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى إن الله يحكم بينهم في ما هم فيه يختلفون إن الله لا يهدي من هو كاذب [ 39 \ 3 ] .
[ ص: 43 ] وقوله - تعالى - :
والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون [ 2 \ 257 ] . وقوله - تعالى - :
إنهم اتخذوا الشياطين أولياء من دون الله ويحسبون أنهم مهتدون [ 7 ] . وقوله - تعالى - :
إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه [ 3 \ 175 ] . أي يخوفكم أولياءه . وقوله - تعالى - :
فقاتلوا أولياء الشيطان الآية [ 4 \ 76 ] .
وقد وبخهم - تعالى - على اتخاذهم الشيطان وذريته أولياء من دونه - تعالى - في قوله :
أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو بئس للظالمين بدلا .
وقد
أمر - جل وعلا - باتباع هذا القرآن العظيم ، ناهيا عن اتباع الأولياء المتخذين من دونه - تعالى - في أول سورة الأعراف في قوله - تعالى -
اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء قليلا ما تذكرون [ 7 \ 3 ] .
وقد علمت من الآيات المذكورة أن أولياء الكفار الذين اتخذوهم وعبدوهم من دون الله نوعان : الأول منهما : الشياطين ، ومعنى عبادتهم للشيطان طاعتهم له فيما يزين لهم من الكفر والمعاصي ، فشركهم به شرك طاعة ، والآيات الدالة على عبادتهم للشياطين بالمعنى المذكور كثيرة ، كقوله - تعالى - :
ألم أعهد إليكم يابني آدم أن لا تعبدوا الشيطان الآية [ 36 \ 60 ] . وقوله - تعالى - عن
إبراهيم ياأبت لا تعبد الشيطان الآية [ 19 \ 44 ] . وقوله - تعالى - :
إن يدعون من دونه إلا إناثا وإن يدعون إلا شيطانا مريدا [ 4 \ 117 ] ، أي وما يعبدون إلا شيطانا مريدا . وقوله - تعالى - :
قالوا سبحانك أنت ولينا من دونهم بل كانوا يعبدون الجن أكثرهم بهم مؤمنون [ 34 \ 41 ] . وقوله - تعالى -
إنما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون [ 16 \ 100 ] . وقوله - تعالى -
وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم وإن أطعتموهم إنكم لمشركون [ 6 \ 121 ] . إلى غير ذلك من الآيات .
والنوع الثاني : هو الأوثان ، كما بين ذلك - تعالى - بقوله :
ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى الآية [ 39 \ 3 ] .
وقوله - تعالى - في هذه الآية الكريمة :
الله حفيظ عليهم ، أي رقيب عليهم حافظ
[ ص: 44 ] عليهم كل ما يعملونه من الكفر والمعاصي ، وفي أوله اتخاذهم الأولياء يعبدونهم من دون الله .
وفي الآية تهديد عظيم لكل مشرك .
وقوله - تعالى - في هذه الآية الكريمة :
وما أنت عليهم بوكيل .
أي لست يا
محمد بموكل عليهم تهدي من شئت هدايته منهم ، بل إنما أنت نذير فحسب ، وقد بلغت ونصحت .
والوكيل عليهم هو الله الذي يهدي من يشاء منهم ، ويضل من يشاء ، كما قال - تعالى - :
إنما أنت نذير والله على كل شيء وكيل [ 11 \ 12 ] . وقال - تعالى - :
ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين وما كان لنفس أن تؤمن إلا بإذن الله ويجعل الرجس على الذين لا يعقلون [ 10 \ 99 - 100 ] . وقال - تعالى - :
وإن كان كبر عليك إعراضهم فإن استطعت أن تبتغي نفقا في الأرض أو سلما في السماء فتأتيهم بآية ولو شاء الله لجمعهم على الهدى فلا تكونن من الجاهلين [ 6 \ 35 ] . والآيات بمثل ذلك كثيرة .
وبما ذكرنا تعلم أن التحقيق في قوله - تعالى - :
وما أنت عليهم بوكيل ، وما جرى مجراه من الآيات ليس منسوخا بآية السيف . والعلم عند الله - تعالى - .