قوله - تعالى - :
وتنذر يوم الجمع لا ريب فيه [ 42 \ 7 ] .
تضمنت هذه الآية الكريمة أمرين : أحدهما : أن
من حكم إيحائه - تعالى - إلى نبينا - صلى الله عليه وسلم - هذا القرآن العربي - إنذار يوم الجمع ، فقوله - تعالى - :
وتنذر يوم الجمع معطوف على قوله :
لتنذر أم القرى أي لأجل أن تنذر
أم القرى وأن تنذر يوم الجمع ، فحذف في الأول أحد المفعولين ، وحذف في الثاني أحدهما ، فكان ما أثبت في كل منهما دليلا على ما حذف في الثاني ، ففي الأول حذف المفعول الثاني ، والتقدير " لتنذر
أم القرى " ، أي
أهل مكة " ومن حولها " ، عذابا شديدا إن لم يؤمنوا . وفي الثاني حذف المفعول الأول ، أي وتنذر الناس يوم الجمع وهو يوم القيامة ، أي تخوفهم مما فيه من الأهوال والأوجال; ليستعدوا لذلك في دار الدنيا .
[ ص: 46 ] والثاني : أن يوم الجمع المذكور ( لا ريب فيه ) ، أي لا شك في وقوعه .
وهذان الأمران اللذان تضمنتهما هذه الآية الكريمة - جاءا موضحين في آيات أخر .
أما تخويفه الناس يوم القيامة ، فقد ذكر في مواضع من كتاب الله ، كقوله - تعالى - :
واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله الآية [ 2 \ 281 ] . وقوله - تعالى - :
وأنذرهم يوم الآزفة الآية [ 40 \ 18 ] . وقوله - تعالى - :
فكيف تتقون إن كفرتم يوما يجعل الولدان شيبا السماء منفطر به [ 73 \ 17 - 18 ] . وقوله - تعالى - :
ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون ليوم عظيم يوم يقوم الناس لرب العالمين [ 83 \ 4 - 6 ] . والآيات بمثل ذلك كثيرة .
وأما الثاني منهما : وهو كون يوم القيامة ( لا ريب فيه ) فقد جاء في مواضع أخر ، كقوله - تعالى - :
الله لا إله إلا هو ليجمعنكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه [ 4 \ 87 ] . وقوله :
فكيف إذا جمعناهم ليوم لا ريب فيه [ 3 \ 25 ] . وقوله - تعالى - :
وأن الساعة آتية لا ريب فيها الآية [ 22 \ 7 ] . وقوله - تعالى -
وإذا قيل إن وعد الله حق والساعة لا ريب فيها قلتم ما ندري ما الساعة الآية [ 45 \ 32 ] . إلى غير ذلك من الآيات .
وإنما
سمي يوم القيامة يوم الجمع ; لأن الله يجمع فيه جميع الخلائق . والآيات الموضحة لهذا المعنى كثيرة ، كقوله - تعالى - :
قل إن الأولين والآخرين لمجموعون إلى ميقات يوم معلوم [ 56 \ 49 - 50 ] . وقوله - تعالى - :
هذا يوم الفصل جمعناكم والأولين [ 77 \ 38 ] . وقوله - تعالى - :
الله لا إله إلا هو ليجمعنكم إلى يوم القيامة الآية [ 4 \ 87 ] . وقوله - تعالى - :
يوم يجمعكم ليوم الجمع ذلك يوم التغابن [ 64 \ 9 ] . وقوله - تعالى -
ذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود [ 11 \ 103 ] . وقوله - تعالى - :
فكيف إذا جمعناهم ليوم لا ريب فيه ووفيت كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون [ 3 \ 25 ] . وقوله - تعالى - :
وحشرناهم فلم نغادر منهم أحدا [ 18 \ 47 ] .
وقد بين - تعالى - شمول ذلك الجمع لجميع الدواب والطير في قوله - تعالى - :
وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم ما فرطنا في الكتاب من شيء ثم إلى ربهم يحشرون [ 6 \ 38 ] . والآيات الدالة على الجمع المذكورة كثيرة .