قوله - تعالى - : وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا أشهدوا خلقهم ستكتب شهادتهم ويسألون .
[ ص: 92 ] قرأ هذا الحرف
نافع وابن كثير وابن عامر عند الرحمن بسكون النون وفتح الدال ، ظرف ، كقوله - تعالى - :
إن الذين عند ربك لا يستكبرون [ 7 \ 206 ] . وقرأه
أبو عمرو وعاصم وحمزة nindex.php?page=showalam&ids=15080والكسائي الذين هم عباد الرحمن بكسر العين وباء موحدة بعدها ألف وضم الدال ، جمع عبد ، كقوله :
وعباد الرحمن الآية [ 25 \ 63 ] .
وقوله :
أشهدوا خلقهم . قرأه عامة السبعة غير
نافع ( أشهدوا ) بهمزة واحدة مع فتح الشين ، وقرأه
نافع ( أأشهدوا ) . بهمزتين الأولى مفتوحة محققة ، والثانية مضمومة مسهلة بين بين ، وقالوا : يجعل بين الهمزتين ألف الإدخال على إحدى الروايتين .
وقد ذكر - جل وعلا - في هذه الآية الكريمة أربع مسائل : الأولى : أن
الكفار افتروا على الملائكة أنهم إناث ، زاعمين أنهم بنات الله .
الثانية : أنه وبخهم على ذلك توبيخا شديدا وأنكر عليهم ذلك في قوله :
أشهدوا خلقهم يعني هل حضروا خلق الله لهم فعاينوهم إناثا .
الثالثة : أن شهادتهم الكاذبة بذلك ستكتب عليهم .
الرابعة : أنهم يسألون عنها يوم القيامة .
وهذه المسائل الأربع التي تضمنتها هذه الآية الكريمة ، جاءت موضحة في غير هذا الموضع .
أما الأولى منها . وهي كونهم اعتقدوا الملائكة إناثا ، فقد ذكرها - تعالى - في مواضع من كتابه كقوله - تعالى - :
أفأصفاكم ربكم بالبنين واتخذ من الملائكة إناثا إنكم لتقولون قولا عظيما [ 17 \ 40 ] . وكقوله - تعالى - :
إن الذين لا يؤمنون بالآخرة ليسمون الملائكة تسمية الأنثى الآية [ 53 \ 27 ] . وقوله - تعالى - :
فاستفتهم ألربك البنات ولهم البنون أم خلقنا الملائكة إناثا الآية [ 37 \ 149 - 150 ] . إلى غير ذلك من الآيات .
وأما المسألة الثانية ، وهي سؤاله - تعالى - لهم على وجه الإنكار والتوبيخ والتقريع :
[ ص: 93 ] هل شهدوا خلق الملائكة وحضروه حتى علموا أنهم خلقوا إناثا ؟ فقد ذكرها في قوله - تعالى - :
أم خلقنا الملائكة إناثا وهم شاهدون [ 37 \ 150 ] . وبين - تعالى - أنه لم يشهد الكفار خلق شيء في قوله :
ما أشهدتهم خلق السماوات والأرض ولا خلق أنفسهم الآية [ 18 \ 51 ] .
وأما المسألة الثالثة التي هي كون شهادتهم بذلك الكفر ستكتب عليهم - فقد ذكرها - تعالى - في مواضع من كتابه ، كقوله - تعالى - :
وإن عليكم لحافظين كراما كاتبين يعلمون ما تفعلون [ 82 \ 10 - 12 ] . وقوله - تعالى - :
هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون [ 45 \ 29 ] . وقوله - تعالى - :
أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم بلى ورسلنا لديهم يكتبون [ 43 \ 80 ] . وقوله - تعالى - :
إن رسلنا يكتبون ما تمكرون [ 10 \ 21 ] . وقوله - تعالى - :
وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا اقرأ كتابك الآية [ 17 \ 13 ، 14 ] . وقوله - تعالى - :
سنكتب ما يقول ونمد له من العذاب مدا [ 19 \ 79 ] .
وأما المسألة الرابعة : وهي كونهم يسألون عن ذلك الافتراء والكفر ، فقد ذكرها - تعالى - في آيات من كتابه ، كقوله - تعالى - :
وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم وليسألن يوم القيامة عما كانوا يفترون [ 29 \ 13 ] . وقوله - تعالى - :
فوربك لنسألنهم أجمعين عما كانوا يعملون [ 15 \ 92 - 93 ] . وقوله - تعالى - :
وإنه لذكر لك ولقومك وسوف تسألون [ 43 \ 44 ] . وقوله - تعالى - :
ويجعلون لما لا يعلمون نصيبا مما رزقناهم تالله لتسألن عما كنتم تفترون [ 16 \ 56 ] . إلى غير ذلك من الآيات .