مسألة
ظاهر هذه الآيات الكريمة التي ذكرنا يدل على اتحاد معنى العقب والذرية والبنين ; لأنه قال في بعضها عن
إبراهيم :
واجنبني وبني أن نعبد الأصنام [ 14 \ 35 ] .
وقال عنه في بعضها :
رب اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي [ 14 \ 40 ] . وفي بعضها :
ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة الآية [ 14 \ 37 ] . وفي بعضها قال :
ومن ذريتي ، وفي بعضها :
وجعلنا في ذريته النبوة والكتاب [ 29 \ 27 ] . وفي بعضها :
وجعلها كلمة باقية في عقبه .
فالظاهر المتبادر من الآيات أن المراد بالبنين والذرية والعقب شيء واحد ; لأن جميعها في شيء واحد . وبذلك تعلم أن ظاهر القرآن يدل على أن من وقف وقفا أو تصدق صدقة على بنيه أو ذريته أو عقبه - أن حكم ذلك واحد .
وقد دل بعض الآيات القرآنية على أن أولاد البنات يدخلون في اسم الذرية واسم البنين .
وإذا دل القرآن على دخول ولد البنت في اسم الذرية والبنين ، والفرض أن العقب بمعناهما - دل ذلك على دخول أولاد البنات في العقب أيضا ، فمن الآيات الدالة على دخول ولد البنت في اسم الذرية قوله - تعالى - :
ومن ذريته داود وسليمان إلى قوله :
وعيسى وإلياس [ 6 \ 84 - 85 ] . وهذا نص قرآني صريح في دخول ولد البنت في اسم الذرية ; لأن
عيسى - عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام - ولد بنت ، إذ لا أب له .
ومن الآيات الدالة على دخول ولد البنت في اسم البنين قوله - تعالى - :
حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم [ 4 \ 23 ] . وقوله - تعالى - :
وبنات الأخ وبنات الأخت [ 4 \ 23 ] . لأن لفظ البنات في الألفاظ الثلاثة - شامل لبنات البنات وبنات بناتهن ، وهذا لا نزاع فيه بين
[ ص: 106 ] المسلمين ، وهو نص قرآني صحيح في استواء بنات بنيهن وبنات بناتهن .
فتحصل أن دخول أولاد البنات في الوقف على الذرية والبنين والعقب ، هو ظاهر القرآن ، ولا ينبغي العدول عنه .
وكلام فقهاء الأمصار من الأئمة الأربعة وغيرهم في الألفاظ المذكورة معروف ، ومن أراد الاطلاع عليه فلينظر كتب فروع المذاهب ، ولم نبسط على ذلك الكلام هنا ; لأننا نريد أن نذكر هنا ما يدل ظاهر القرآن على ترجيحه من ذلك فقط .
أما لفظ الولد فإن القرآن يدل على أن أولاد البنات لا يدخلون فيه .
وذلك في قوله - تعالى - :
يوصيكم الله في أولادكم الآية [ 4 \ 11 ] . فإن قوله : (
في أولادكم ) لا يدخل فيه أولاد البنات ، وذلك لا نزاع فيه بين المسلمين ، وهو نص صريح قرآني على عدم دخول أولاد البنات في اسم الولد .
وإن كان جماهير العلماء على أن العقب والولد سواء .
ولا شك أن اتباع القرآن هو المتعين على كل مسلم .
أما لفظ النسل فظاهر القرآن شموله لأولاد البنات ; لأن قوله - تعالى - :
ذلك عالم الغيب والشهادة العزيز الرحيم الذي أحسن كل شيء خلقه وبدأ خلق الإنسان من طين ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين [ 32 \ 6 - 8 ] - ظاهر في أن لفظة النسل في الآية شاملة لأولاد البنات ، كما لا يخفى .
والألفاظ التي يتكلم عليها العلماء في هذا المبحث هي أحد عشر لفظا ذكرنا خمسة منها وهي : الذرية والبنون والعقب والولد والنسل . وذكرنا أن أربعة منها يدل ظاهر القرآن على أنها يدخل فيها أولاد البنات ، وواحد بخلاف ذلك وهو الولد .
وأما الستة الباقية منها فهي : الآل والأهل ، ومعناهما واحد .
والقرابة والعشيرة والقوم والموالي ، وكلام العلماء فيها مضطرب .
ولم يحضرني الآن تحديد يتميز به ما يدخل في كل واحد منها وما يخرج عنه ، إلا على سبيل التقريب ، إلا لفظين منها وهما القرابة والعشيرة .
أما القرابة فقد ثبت في الصحيح عنه - صلى الله عليه وسلم - "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009399أنه أعطى من خمس خيبر بني هاشم وبني [ ص: 107 ] المطلب دون بني عبد شمس وبني نوفل " ، مبينا أن ذلك هو معنى قوله - تعالى - :
فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى [ 8 \ 41 ] . كما تقدم إيضاحه في سورة " الأنفال " في الكلام على آية الخمس هذه .
وأما العشيرة فقد ثبت في الصحيح عنه - صلى الله عليه وسلم - من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس nindex.php?page=hadith&LINKID=1009400أنه لما نزلت وأنذر عشيرتك الأقربين [ 26 \ 214 ] - صعد النبي - صلى الله عليه وسلم - على الصفا ، فجعل ينادي : " يا بني فهر ، يا بني عدي " لبطون
قريش حتى اجتمعوا ، الحديث . وفيه تحديد العشيرة الأقربين بجميع
بني فهر بن مالك ، وهو الجد العاشر له - صلى الله عليه وسلم - .
وفي رواية
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة في الصحيح أنه لما نزلت الآية المذكورة قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009401يا معشر قريش " أو كلمة نحوها ، الحديث ،
وقريش هم أولاد
فهر بن مالك . وقيل : أولاد
النضر بن كنانة . والأول هو الأظهر لحديث
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس المذكور ، وعليه الأكثر .