قوله - تعالى - :
وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين وأنتم فيها خالدون .
ذكر - جل وعلا - في هذه الآية الكريمة أن كل ما تشتهيه الأنفس ، وتلذ الأعين ، أي تلتذ به الأعين ، أي برؤيته لحسنه ، كما قال - تعالى - :
صفراء فاقع لونها تسر الناظرين [ 2 \ 69 ] . وأسند اللذة إلى العين ، وهي في الحقيقة مسندة لصاحب العين ، كإسناد الكذب والخطيئة إلى الناصية ، وهي مقدم شعر الرأس ، في قوله - تعالى - :
ناصية كاذبة خاطئة [ 96 \ 16 ] وكإسناد الخشوع والعمل والنصب إلى الوجوه ، في قوله - تعالى - :
وجوه يومئذ خاشعة عاملة ناصبة الآية [ 88 \ 2 - 3 ] .
[ ص: 144 ] ومعلوم أن الكذب والخطيئة مسندان في الحقيقة لصاحب الناصية ، كما أن الخشوع والعمل والنصب مسندات إلى أصحاب الوجوه .
وما دلت عليه هذه الآية الكريمة من أن
الجنة فيها كل مشتهى ، وكل مستلذ - جاء مبسوطا موضحة أنواعه في آيات كثيرة من كتاب الله ، وجاء
محمد أيضا إجمالا شاملا لكل شيء من النعيم .
أما إجمال ذلك ففي قوله - تعالى - :
فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون [ 32 \ 17 ] .
وأما بسط ذلك وتفصيله فقد بين القرآن أن من ذلك النعيم المذكور في الآية - المشارب ، والمآكل والمناكح ، والفرش والسرر ، والأواني ، وأنواع الحلي والملابس ، والخدم إلى غير ذلك ، وسنذكر بعض الآيات الدالة على كل شيء من ذلك .
أما
المآكل فقد قال - تعالى - :
لكم فيها فاكهة كثيرة منها تأكلون [ 43 \ 73 ] . وقال :
ولحم طير مما يشتهون [ 56 \ 32 - 33 ] . وقال - تعالى - :
وفاكهة كثيرة لا مقطوعة ولا ممنوعة [ 56 \ 32 - 33 ] . وقال - تعالى - :
كلما رزقوا منها من ثمرة رزقا قالوا هذا الذي رزقنا من قبل وأتوا به متشابها الآية [ 2 \ 25 ] . إلى غير ذلك من الآيات .
أما
المشارب ، فقد قال - تعالى - :
إن الأبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافورا عينا يشرب بها عباد الله يفجرونها تفجيرا [ 76 \ 5 - 6 ] . وقال - تعالى - :
ويسقون فيها كأسا كان مزاجها زنجبيلا عينا فيها تسمى سلسبيلا الآية [ 76 \ 17 - 18 ] . وقوله - تعالى - :
يطوف عليهم ولدان مخلدون بأكواب وأباريق وكأس من معين لا يصدعون عنها ولا ينزفون [ 56 \ 17 - 19 ] . وقال - تعالى - :
يطاف عليهم بكأس من معين بيضاء لذة للشاربين لا فيها غول ولا هم عنها ينزفون [ 37 \ 45 - 47 ] . وقال - تعالى - :
فيها أنهار من ماء غير آسن وأنهار من لبن لم يتغير طعمه وأنهار من خمر لذة للشاربين وأنهار من عسل مصفى ولهم فيها من كل الثمرات [ 47 \ 15 ] . وقال - تعالى - :
كلوا واشربوا هنيئا بما أسلفتم في الأيام الخالية [ 69 \ 24 ] . إلى غير ذلك من الآيات .
[ ص: 145 ] وأما
الملابس والأواني والحلي ، فقد قدمنا الكلام عليها مستوفى في سورة " النحل " .
وأما المناكح فقد قدمنا بعض الآيات الدالة عليها قريبا ، وهي كثيرة كقوله - تعالى - :
ولهم فيها أزواج مطهرة الآية [ 2 \ 25 ] . ويكفي ما قدمنا من ذلك قريبا .
وأما
ما يتكئون عليه من الفرش والسرر ونحو ذلك ، ففي آيات كثيرة ، كقوله - تعالى - :
متكئين على فرش بطائنها من إستبرق [ 55 \ 45 ] . وقوله - تعالى - :
هم وأزواجهم في ظلال على الأرائك متكئون [ 36 \ 56 ] . وقوله - تعالى - :
على سرر موضونة متكئين عليها متقابلين [ 56 \ 15 - 16 ] .
والسرر الموضونة هي المنسوجة بقضبان الذهب .
وقوله - تعالى - :
إخوانا على سرر متقابلين [ 15 \ 47 ] . وقوله - تعالى - :
فيها سرر مرفوعة [ 88 \ 13 ] . وقوله - تعالى - :
متكئين على رفرف خضر وعبقري حسان [ 55 \ 76 ] . إلى غير ذلك من الآيات .
وأما
خدمهم فقد قال - تعالى - في ذلك :
يطوف عليهم ولدان مخلدون الآية [ 56 \ 17 ] . وقال - تعالى - في سورة " الإنسان " في صفة هؤلاء الغلمان :
إذا رأيتهم حسبتهم لؤلؤا منثورا [ 76 \ 19 ] وذكر نعيم أهل الجنة بأبلغ صيغة في قوله - تعالى - :
وإذا رأيت ثم رأيت نعيما وملكا كبيرا [ 76 \ 20 ] .
والآيات الدالة على أنواع نعيم الجنة وحسنها وكمالها كالظلال والعيون والأنهار وغير ذلك - كثيرة جدا ، ولنكتف منها بما ذكرنا .
وقوله - تعالى - في هذه الآية الكريمة :
وأنتم فيها خالدون [ 43 \ 71 ] - قد قدمنا الآيات الموضحة ; لأن خلودهم المذكور لا انقطاع له البتة ، كقوله - تعالى - :
عطاء غير مجذوذ [ 11 \ 108 ] أي غير مقطوع ، وقوله - تعالى - :
إن هذا لرزقنا ما له من نفاد [ 38 \ 54 ] . وقوله - تعالى - :
ما عندكم ينفد وما عند الله باق [ 16 \ 96 ] .