قوله - تعالى - :
ونادوا يا مالك ليقض علينا ربك قال إنكم ماكثون .
اللام في قوله : ليقض لام الدعاء .
والظاهر أن المعنى أن مرادهم بذلك سؤال
مالك خازن النار أن يدعو الله لهم بالموت .
والدليل على ذلك أمران : الأول : أنهم لو أرادوا دعاء الله بأنفسهم أن يميتهم لما نادوا : يا مالك ، ولما خاطبوه في قولهم : ربك .
والثاني : أن الله بين في سورة " المؤمن " أن أهل النار يطلبون من خزنة النار أن يدعوا الله لهم ليخفف عنهم العذاب ، وذلك في قوله - تعالى - :
وقال الذين في النار لخزنة جهنم ادعوا ربكم يخفف عنا يوما من العذاب [ 40 \ 49 ] . وقوله :
ليقض علينا ربك أي ليمتنا ، فنستريح بالموت من العذاب .
ونظيره قوله - تعالى - :
فوكزه موسى فقضى عليه [ 28 \ 15 ] أي أماته .
وقوله - تعالى - في هذه الآية الكريمة :
قال إنكم ماكثون - دليل على أنهم لا يجابون
[ ص: 147 ] إلى الموت ، بل يمكثون في النار معذبين إلى غير نهاية .
وقد دل القرآن العظيم على أنهم لا يموتون فيها فيستريحوا بالموت ، ولا تغني هي عنهم ، ولا يخفف عنهم عذابها ، ولا يخرجون منها .
أما كونهم لا يموتون فيها الذي دل عليه قوله هنا :
قال إنكم ماكثون - فقد دلت عليه آيات من كتاب الله ، كقوله - تعالى - :
إنه من يأت ربه مجرما فإن له جهنم لا يموت فيها ولا يحيا [ 20 \ 74 ] . وقوله - تعالى - :
ويتجنبها الأشقى الذي يصلى النار الكبرى ثم لا يموت فيها ولا يحيا [ 87 \ 11 - 13 ] . وقوله - تعالى - :
والذين كفروا لهم نار جهنم لا يقضى عليهم فيموتوا الآية [ 35 \ 36 ] . وقوله - تعالى - :
ويأتيه الموت من كل مكان وما هو بميت الآية [ 14 \ 17 ] .
وأما كون النار لا تغني عنهم ، فقد بينه - تعالى - بقوله :
كلما خبت زدناهم سعيرا [ 17 \ 97 ] . فمن يدعي أن للنار خبوة نهائية وفناء - رد عليه بهذه الآية الكريمة .
وأما
كون العذاب لا يخفف عنه فقد دلت عليه آيات كثيرة جدا ، كقوله :
ولا يخفف عنهم من عذابها [ 35 \ 36 ] . وقوله - تعالى - :
فلا يخفف عنهم ولا هم ينظرون [ 16 \ 85 ] . وقوله - تعالى - :
فلن نزيدكم إلا عذابا [ 78 \ 30 ] . وقوله - تعالى - :
لا يفتر عنهم الآية [ 43 \ 75 ] . وقوله :
إن عذابها كان غراما [ 25 \ 65 ] . وقوله - تعالى - :
فسوف يكون لزاما [ 25 \ 77 ] على الأصح في الأخيرين .
وأما كونهم
لا يخرجون منها فقد جاء موضحا في آيات من كتاب الله ، كقوله - تعالى - في " البقرة " :
كذلك يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم وما هم بخارجين من النار [ 2 \ 167 ] . وقوله - تعالى - في " المائدة " :
يريدون أن يخرجوا من النار وما هم بخارجين منها ولهم عذاب مقيم [ 5 \ 37 ] . وقوله - تعالى - في " الحج " :
كلما أرادوا أن يخرجوا منها من غم أعيدوا فيها الآية [ 22 \ 22 ] . وقوله - تعالى - في " السجدة " :
كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها [ 32 \ 20 ] . وقوله - تعالى - في " الجاثية " :
فاليوم لا يخرجون منها ولا هم يستعتبون [ 45 \ 35 ] . إلى غير ذلك من الآيات .
وقد أوضحنا هذا المبحث إيضاحا شافيا في كتابنا " دفع إيهام الاضطراب عن آيات
[ ص: 148 ] الكتاب " في سورة " الأنعام " في الكلام على قوله - تعالى - :
قال النار مثواكم خالدين فيها إلا ما شاء الله [ 6 \ 128 ] . وفي سورة " النبإ " في الكلام على قوله - تعالى - :
لابثين فيها أحقابا [ 78 \ 23 ] وسنوضحه أيضا - إن شاء الله - في هذا الكتاب المبارك في الكلام على آية " النبإ " المذكورة ، ونوضح هناك - إن شاء الله - إزالة إشكال يورده الملحدون على الآيات التي فيها إيضاح هذا المبحث .