قوله - تعالى - : وفضلناهم على العالمين [ 45 \ 16 ] .
ذكر - جل وعلا - في هذه الآية الكريمة أنه فضل
بني إسرائيل على العالمين ، وذكر هذا المعنى في موضع آخر من كتابه ، كقوله - تعالى - في سورة " البقرة " :
يابني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأني فضلتكم على العالمين [ 2 \ 47 - 122 ] في الموضعين . وقوله في " الدخان " :
ولقد اخترناهم على علم على العالمين [ 44 \ 32 ] . وقوله في " الأعراف " :
قال أغير الله أبغيكم إلها وهو فضلكم على العالمين [ 7 \ 140 ] .
ولكن الله - جل وعلا - بين أن
أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - خير من بني إسرائيل وأكرم على الله ، كما صرح بذلك في قوله :
كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف الآية
[ ص: 198 ] [ 3 \ 110 ] . فـ ( خير ) صيغة تفضيل ، والآية نص صريح في أنهم خير من جميع الأمم ،
بني إسرائيل وغيرهم .
ومما يزيد ذلك إيضاحا حديث
معاوية بن حيدة القشيري - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال في أمته :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007739 " أنتم توفون سبعين أمة ، أنتم خيرها وأكرمها على الله " : وقد رواه عنه
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي nindex.php?page=showalam&ids=13478وابن ماجه والحاكم ، وهو حديث مشهور .
وقال
ابن كثير : حسنه
الترمذي ، ويروى من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=32معاذ بن جبل وأبي سعيد نحوه .
قال مقيده - عفا الله عنه وغفر له - : ولا شك في صحة معنى حديث
معاوية بن حيدة المذكور - رضي الله عنه - ; لأنه يشهد له النص المعصوم المتواتر في قوله - تعالى - :
كنتم خير أمة أخرجت للناس [ 3 \ 110 ] وقد قال - تعالى - :
وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس [ 2 \ 143 ] . وقوله :
وسطا أي خيارا عدولا .
واعلم أن ما ذكرنا من كون أمة
محمد - صلى الله عليه وسلم - أفضل من
بني إسرائيل ، كما دلت عليه الآية والحديث المذكوران وغيرهما من الأدلة - لا يعارض الآيات المذكورات آنفا في تفضيل
بني إسرائيل .
لأن ذلك
التفضيل الوارد في بني إسرائيل ذكر فيهم حال عدم وجود أمة
محمد - صلى الله عليه وسلم - .
والمعدوم في حال عدمه ليس بشيء حتى يفضل أو يفضل عليه .
ولكنه - تعالى - بعد وجود أمة
محمد - صلى الله عليه وسلم - صرح بأنها خير الأمم .
وهذا واضح ; لأن كل ما جاء في القرآن من تفضيل
بني إسرائيل - إنما يراد به ذكر أحوال سابقة .
لأنهم في وقت نزول القرآن كفروا به وكذبوا ، كما قال - تعالى - :
فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين [ 2 \ 89 ] .
ومعلوم أن الله لم يذكر لهم في القرآن فضلا إلا ما يراد به أنه كان في زمنهم السابق ، لا في وقت نزول القرآن .
ومعلوم أن أمة
محمد - صلى الله عليه وسلم - لم تكن موجودة في ذلك الزمن السابق الذي هو ظرف
[ ص: 199 ] تفضيل
بني إسرائيل ، وأنها بعد وجودها ، صرح الله بأنها هي خير الأمم ، كما أوضحنا . والعلم عند الله - تعالى - .