قوله - تعالى - : ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون .
نهى الله - جل وعلا - نبيه - صلى الله عليه وسلم - في هذه الآية الكريمة عن اتباع أهواء الذين لا يعلمون .
وقد قدمنا في سورة "
بني إسرائيل " في الكلام على قوله - تعالى - :
لا تجعل مع الله إلها آخر فتقعد مذموما مخذولا [ 17 \ 22 ] - أنه - جل وعلا - يأمر نبيه
محمدا - صلى الله عليه وسلم - وينهاه ، ليشرع بذلك الأمر والنهي لأمته ، كقوله هنا :
ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون [ 45 \ 18 ] .
ومعلوم أنه - صلى الله عليه وسلم - لا يتبع أهواء الذين لا يعلمون ، ولكن النهي المذكور فيه التشريع لأمته ، كقوله - تعالى - :
ولا تطع منهم آثما أو كفورا [ 76 \ 24 ] . وقوله - تعالى - :
فلا تطع المكذبين [ 68 \ 8 ] . وقوله :
ولا تطع كل حلاف مهين [ 68 \ 10 ] . وقوله :
ولا تجعل مع الله إلها آخر [ 17 \ 39 ] . وقوله :
لئن أشركت ليحبطن عملك [ 39 \ 65 ] . والآيات بمثل ذلك كثيرة .
وقد بينا الأدلة القرآنية على أنه - صلى الله عليه وسلم - يخاطب ، والمراد به التشريع لأمته ، في آية "
بني إسرائيل " المذكورة .
وما تضمنته آية " الجاثية " هذه من النهي عن اتباع أهوائهم - جاء موضحا في آيات كثيرة ، كقوله - تعالى - في " الشورى " :
ولا تتبع أهواءهم وقل آمنت بما أنزل الله من كتاب [ 42 \ 15 ] . وقوله - تعالى - في " الأنعام " :
فإن شهدوا فلا تشهد معهم ولا تتبع أهواء الذين كذبوا بآياتنا والذين لا يؤمنون بالآخرة وهم بربهم يعدلون [ 6 \ 150 ] . وقوله - تعالى - في " القصص " :
فإن لم يستجيبوا لك فاعلم أنما يتبعون أهواءهم ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله إن الله لا يهدي القوم الظالمين [ 28 \ 50 ] . والآيات بمثل ذلك كثيرة معلومة .
[ ص: 200 ] وقد بين - تعالى - في "
قد أفلح المؤمنون " أن الحق لو اتبع أهواءهم لفسد العالم ، وذلك في قوله - تعالى - :
ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السماوات والأرض ومن فيهن [ 23 \ 71 ] .
والأهواء : جمع هوى بفتحتين وأصله مصدر ، والهمزة فيه مبدلة من ياء ، كما هو معلوم .