صفحة جزء
قوله - تعالى - : هذا بصائر للناس وهدى ورحمة لقوم يوقنون .

الإشارة في قوله : هذا للقرآن العظيم .

والبصائر جمع بصيرة ، والمراد بها البرهان القاطع الذي لا يترك في الحق لبسا ، كقوله - تعالى - : قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة [ 12 \ 108 ] أي على علم ودليل واضح .

والمعنى أن هذا القرآن براهين قاطعة ، وأدلة ساطعة ، على أن الله هو المعبود وحده ، وأن ما جاء به محمد - صلى الله عليه وسلم - حق .

وما تضمنته هذه الآية الكريمة من أن القرآن بصائر للناس - جاء موضحا في مواضع أخر من كتاب الله ، كقوله - تعالى - في أخريات " الأعراف " : [ ص: 202 ] قل إنما أتبع ما يوحى إلي من ربي هذا بصائر من ربكم وهدى ورحمة لقوم يؤمنون [ 7 \ 203 ] . وقوله - تعالى - في " الأنعام " : قد جاءكم بصائر من ربكم فمن أبصر فلنفسه ومن عمي فعليها وما أنا عليكم بحفيظ [ 6 \ 104 ] .

وما تضمنته آية " الجاثية " من أن القرآن بصائر وهدى ورحمة ، ذكر - تعالى - مثله في سورة " القصص " عن كتاب موسى الذي هو التوراة في قوله - تعالى - : ولقد آتينا موسى الكتاب من بعد ما أهلكنا القرون الأولى بصائر للناس وهدى ورحمة لعلهم يتذكرون [ 28 \ 43 ] .

وما تضمنته آية " الجاثية " هذه من كون القرآن هدى ورحمة - جاء موضحا في غير هذا الموضع .

أما كونه هدى فقد ذكرنا الآيات الموضحة له قريبا .

وأما كونه رحمة فقد ذكرنا الآيات الموضحة له في " الكهف " في الكلام على قوله - تعالى - : فوجدا عبدا من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا [ 18 \ 1 ] . وفي أولها في الكلام على قوله - تعالى - : الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب [ 18 \ 1 ] . وفي " فاطر " في الكلام على قوله - تعالى - : ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها [ 35 \ 2 ] . وفي " الزخرف " في الكلام على قوله : أهم يقسمون رحمة ربك الآية [ 43 \ 32 ] .

وقوله - تعالى - في هذه الآية الكريمة : لقوم يوقنون أي لأنهم هم المنتفعون به .

وفي هذه الآية الكريمة سؤال عربي معروف ، وهو أن المبتدأ الذي هو قوله : هذا اسم إشارة إلى مذكر مفرد ، والخبر الذي هو بصائر جمع مكسر مؤنث .

فيقال : كيف يسند الجمع المؤنث المكسر إلى المفرد المذكر ؟ والجواب : أن مجموع القرآن كتاب واحد ، تصح الإشارة إليه بهذا ، وهذا الكتاب الواحد يشتمل على براهين كثيرة ، فصح إسناد البصائر إليه لاشتماله عليها كما لا يخفى .

التالي السابق


الخدمات العلمية