وعلى هذا القول ، فالآية في صلاة الخوف
وقصر الصلاة في السفر عليه مأخوذ من السنة لا من القرآن ، وفي معنى الآية الكريمة أقوال أخر :
أحدها : أن معنى أن تقصروا من الصلاة
إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا [ 4 \ 101 ] ،
الاقتصار على ركعة واحدة في صلاة الخوف كما قدمنا آنفا من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس عند
مسلم ،
nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي ،
وأبي داود ،
nindex.php?page=showalam&ids=13478وابن ماجه ، وقدمنا أنه رواه
nindex.php?page=showalam&ids=13478ابن ماجه عن
nindex.php?page=showalam&ids=16248طاوس .
وقد روى نحوه
أبو داود ،
nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي من حديث
حذيفة قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007259فصلى بهؤلاء ركعة ، وهؤلاء ركعة ولم يقضوا " ورواه
nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي أيضا من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=47زيد بن ثابت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - .
وممن قال بالاقتصار في الخوف على ركعة واحدة ،
nindex.php?page=showalam&ids=16004الثوري وإسحاق ومن تبعهما . وروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد بن حنبل وعطاء ،
وجابر ،
والحسن ،
ومجاهد ،
والحكم ،
وقتادة ،
وحماد ،
والضحاك .
وقال بعضهم : يصلى الصبح في الخوف ركعة ، وإليه ذهب
nindex.php?page=showalam&ids=13064ابن حزم ، ويحكى عن
nindex.php?page=showalam&ids=17032محمد بن نصر المروزي وبالاقتصار على ركعة واحدة في الخوف .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=3أبو هريرة nindex.php?page=showalam&ids=110وأبو موسى الأشعري وغير واحد من التابعين ومنهم من قيده بشدة الخوف .
وعلى هذا القول ، فالقصر في قوله تعالى :
أن تقصروا من الصلاة [ 4 \ 101 ] ، قصر كمية .
وقال جماعة : إن المراد بالقصر في قوله :
أن تقصروا من الصلاة ، هو قصر الصلاة في السفر . قالوا : ولا مفهوم مخالفة للشرط الذي هو قوله :
إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا ; لأنه خرج مخرج الغالب حال نزول هذه الآية ، فإن في مبدأ
[ ص: 254 ] الإسلام بعد الهجرة كان غالب أسفارهم مخوفة .
وقد تقرر في الأصول ، أن
من الموانع لاعتبار مفهوم المخالفة خروج المنطوق مخرج الغالب ، ولذا لم يعتبر الجمهور مفهوم المخالفة في قوله :
اللاتي في حجوركم [ 4 \ 23 ] ; لجريانه على الغالب .
قال في " مراقي السعود " : في ذكر موانع اعتبار مفهوم المخالفة : [ الرجز ]
أو جهل الحكم أو النطق انجلب للسؤل أو جرى على الذي غلب
واستدل من قال : إن المراد بالآية قصر الرباعية في السفر بما أخرجه
مسلم في " صحيحه " ، والإمام
أحمد ، وأصحاب السنن الأربعة ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=120يعلى بن أمية قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007260قلت nindex.php?page=showalam&ids=2لعمر بن الخطاب : فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا ، فقد أمن الناس ، قال : عجبت ما عجبت منه ، فسألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك ، فقال : " صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته " .
فهذا الحديث الثابت في " صحيح
مسلم " ، وغيره يدل على أن
nindex.php?page=showalam&ids=120يعلى بن أمية ،
nindex.php?page=showalam&ids=2وعمر بن الخطاب - رضي الله عنهما - كانا يعتقدان أن معنى الآية قصر الرباعية في السفر ، وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أقر
عمر على فهمه لذلك ، وهو دليل قوي ، ولكنه معارض بما تقدم عن
عمر من أنه قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007261صلاة السفر ركعتان تمام غير قصر على لسان محمد - صلى الله عليه وسلم - " ويؤيده حديث
عائشة ، وحديث
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس المتقدمان .
وظاهر الآيات المتقدمة الدالة على أن المراد بقوله أن تقصروا من الصلاة قصر الكيفية في صلاة الخوف ، كما قدمنا ، والله تعالى أعلم ،
وهيئات صلاة الخوف كثيرة ، فإن العدو تارة يكون إلى جهة القبلة ، وتارة إلى غيرها ، والصلاة قد تكون رباعية ، وقد تكون ثلاثية ، وقد تكون ثنائية ، ثم تارة يصلون جماعة ، وتارة يلتحم القتال ، فلا يقدرون على الجماعة بل يصلون فرادى رجالا ، وركبانا مستقبلي القبلة ، وغير مستقبليها ، وكل هيئات صلاة الخوف الواردة في الصحيح جائزة ، وهيئاتها ، وكيفياتها مفصلة في كتب الحديث والفروع ، وسنذكر ما ذهب إليه الأئمة الأربعة منها إن شاء الله .
أما
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك بن أنس ، فالصورة التي أخذ بها منها هي أن الطائفة الأولى تصلي مع الإمام ركعة في الثنائية ، وركعتين في الرباعية والثلاثية ، ثم تتم باقي الصلاة ، وهو اثنتان في الرباعية ، وواحدة في الثنائية والثلاثية ، ثم يسلمون ويقفون وجاه العدو ، وتأتي
[ ص: 255 ] الطائفة الأخرى فيجدون الإمام قائما ينتظرهم ، وهو مخير في قيامه بين القراءة ، والدعاء ، والسكوت إن كانت ثنائية ، وبين الدعاء والسكوت إن كانت رباعية أو ثلاثية ، وقيل : ينتظرهم في الرباعية والثلاثية جالسا فيصلي بهم باقي الصلاة ، وهو ركعة في الثنائية ، والثلاثية ، وركعتان في الرباعية ، ثم يسلم ويقضون ما فاتهم بعد سلامه ، وهو ركعة في الثنائية ، وركعتان في الرباعية والثلاثية . فتحصل أن هذه الصورة ، أنه يصلي بالطائفة الأولى ركعة أو اثنتين ، ثم يتمون لأنفسهم ويسلمون ، ويقفون في وجه العدو ، ثم تأتي الأخرى فيصلي بهم الباقي ، ويسلم ويتمون لأنفسهم .
قال
ابن يونس في هذه الصورة التي ذكرنا : وحديث
القاسم أشبه بالقرآن ، وإلى الأخذ به رجع
مالك . اهـ .
قال مقيده - عفا الله عنه - : مراد
ابن يونس ، أن الحديث الذي رواه
مالك في " الموطأ " ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=17314يحيى بن سعيد ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14946القاسم بن محمد بن أبي بكر ، عن
صالح بن خوات ، عن
سهل بن أبي حثمة ، بالكيفية التي ذكرنا ، هو الذي رجع إليه
مالك ، ورجحه أخيرا على ما رواه ، أعني
مالكا ، عن
يزيد بن رومان ، عن
صالح بن خوات ، عمن صلى مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم ذات الرقاع صلاة الخوف . الحديث ، والفرق بين رواية
nindex.php?page=showalam&ids=14946القاسم بن محمد ، وبين رواية
يزيد بن رومان ، أن رواية
يزيد بن رومان فيها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى بالطائفة الأخرى الركعة التي بقيت من صلاته ، ثم ثبت جالسا وأتموا لأنفسهم ، ثم سلم بهم ، وقد عرفت أن رواية
القاسم عند
مالك في " الموطأ " ، أنه يصلي بالطائفة الأخرى الركعة الباقية ثم يسلم فيتمون بعد سلامه لأنفسهم .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=13332ابن عبد البر مشيرا إلى الكيفية التي ذكرنا ، وهي رواية
nindex.php?page=showalam&ids=14946القاسم بن محمد ، عند
مالك ، وهذا الذي رجع إليه
مالك بعد أن قال بحديث
يزيد بن رومان ، وإنما اختاره ورجع إليه للقياس على سائر الصلوات :
إن الإمام لا ينتظر المأموم ، وإن المأموم إنما يقضي بعد سلام الإمام ، وحديث
القاسم هذا الذي أخرجه
مالك في ( الموطأ ) موقوف على
سهل ، إلا أن له حكم الرفع ; لأنه لا مجال للرأي فيه والتحقيق أنه مرسل صحابي ; لأن
سهلا كان صغيرا في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - وجزم
nindex.php?page=showalam&ids=16935الطبري ،
nindex.php?page=showalam&ids=13053وابن حبان ،
nindex.php?page=showalam&ids=12757وابن السكن ، وغيرهم بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - توفي
وسهل المذكور ابن ثمان سنين ، وزعم
nindex.php?page=showalam&ids=13064ابن حزم أنه لم يرد عن أحد من السلف القول بالكيفية التي ذكرنا أنها رجع إليها
مالك ، ورواها في " موطئه " عن
nindex.php?page=showalam&ids=14946القاسم بن محمد ، هذا هو حاصل مذهب
مالك في كيفية صلاة الخوف .
[ ص: 256 ] قال أولا : بأن الإمام يصلي بالطائفة الأولى ، ثم تتم لأنفسها ، ثم تسلم ، ثم يصلي بقية الصلاة بالطائفة الأخرى وينتظرها حتى تتم ، ثم يسلم بها ورجع إلى أن الإمام يسلم إذا صلى بقية صلاته مع الطائفة الأخرى ، ولا ينتظرهم حتى يسلم بهم بل يتمون لأنفسهم بعد سلامه ، كما بينا .
والظاهر أن المبهم في رواية
يزيد بن رومان في قول
صالح بن خوات ، عمن صلى مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الحديث ، أنه أبوه
nindex.php?page=showalam&ids=188خوات بن جبير الصحابي ، رضي الله عنه ، لا
سهل بن أبي حثمة ، كما قاله بعضهم .
قال الحافظ في " الفتح " : ولكن الراجح أنه أبوه
nindex.php?page=showalam&ids=188خوات بن جبير ; لأن
أبا أويس ، روى هذا الحديث ، عن
يزيد بن رومان شيخ
مالك فيه فقال : عن
صالح بن خوات ، عن أبيه ، أخرجه
ابن منده في " معرفة الصحابة " من طريقه ، وكذلك أخرجه
البيهقي ، من طريق
nindex.php?page=showalam&ids=16524عبيد الله بن عمر ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14946القاسم بن محمد ، عن
صالح بن خوات ، عن أبيه ، وجزم
النووي في " تهذيبه " بأنه أبوه
خوات ، وقال : إنه محقق من رواية
مسلم وغيره ، قلت : وسبقه إلى ذلك
nindex.php?page=showalam&ids=14847الغزالي ، فقال إن صلاة ذات الرقاع في رواية
nindex.php?page=showalam&ids=188خوات بن جبير . اه محل الغرض منه بلفظه .
ولم يفرق المالكية بين كون العدو إلى جهة القبلة وبين كونه إلى غيرها ، وأما
إذا اشتد الخوف والتحم القتال ، ولم يمكن لأحد منهم ترك القتال فإنهم يصلونها رجالا وركبانا إيماء مستقبلي القبلة وغير مستقبليها ، كما نص عليه تعالى بقوله :
فإن خفتم فرجالا أو ركبانا الآية [ 2 \ 239 ] .