المسألة الثالثة في التقليد في بيان معناه لغة واصطلاحا وأقسامه وبيان ما يصح منها وما لا يصح
اعلم أن
التقليد في اللغة : هو جعل القلادة في العنق .
وتقليد الولاة هو جعل الولايات قلائد في أعناقهم ، ومنه قول
لقيط الإيادي :
وقلدوا أمركم لله دركم رحب الذراع بأمر الحرب مضطلعا
وأما
التقليد في اصطلاح الفقهاء : فهو الأخذ بمذهب الغير من غير معرفة دليله .
والمراد بالمذهب هو ما يصح فيه الاجتهاد خاصة .
[ ص: 305 ] ولا يصح الاجتهاد البتة في شيء يخالف نصا من كتابه أو سنة ثابتة ، سالما من المعارض ; لأن الكتاب والسنة حجة على كل أحد كائنا من كان ، لا تسوغ مخالفتهما البتة لأحد كائنا من كان فيجب التفطن ; لأن المذهب الذي فيه التقليد يختص بالأمور الاجتهادية ولا يتناول ما جاء فيه نص صحيح من الوحي سالم من المعارض .
قال
الشيخ الحطاب في شرحه لقول
خليل في مختصره : مختصرا على مذهب الإمام
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك بن أنس ما نصه :
( والمذهب لغة : الطريق ومكان الذهاب ، ثم صار عند الفقهاء حقيقة عرفية فيما ذهب إليه إمام من الأئمة من الأحكام الاجتهادية ) انتهى محل الغرض منه بلفظه .
فقوله : من الأحكام الاجتهادية تدل على أن اسم المذهب لم يتناول مواقع النصوص الشرعية السالمة من المعارض .
وذلك أمر لا خلاف فيه ; لإجماع العلماء على أن
المجتهد المطلق إذا أقام باجتهاده دليلا ، مخالفا لنص من كتاب أو سنة أو إجماع ، أن دليله ذلك باطل بلا خلاف .
وأنه يرد بالقادح المسمى في الأصول بفساد الاعتبار .
وفساد الاعتبار الذي هو مخالفة الدليل لنص أو إجماع من القوادح التي لا نزاع في إبطال الدليل بها ، وإليه الإشارة بقول صاحب مراقي السعود في القوادح :
والخلف للنص أو إجماع دعا فسادا لاعتبار كل من وعى وبما ذكرنا
تعلم أنه لا اجتهاد أصلا ولا تقليد أصلا في شيء يخالف نصا من كتاب أو سنة أو إجماع .
وإذا عرفت ذلك فاعلم أن بعض الناس من المتأخرين أجاز التقليد ، ولو كان فيه مخالفة نصوص الوحي ، كما ذكرنا عن
الصاوي وأضرابه .
وعليه أكثر المقلدين للمذاهب في هذا الزمان وأزمان قبله .
وبعض العلماء منع التقليد مطلقا ، وممن ذهب إلى ذلك
ابن خويز منداد من المالكية ،
والشوكاني في القول المفيد في أدلة الاجتهاد والتقليد .
[ ص: 306 ] والتحقيق : أن التقليد منه ما هو جائز ، ومنه ما ليس بجائز ، ومنه ما خالف فيه المتأخرون المتقدمين من الصحابة وغيرهم من القرون الثلاثة المفضلة .