التنبيه الثاني
اعلم أن الأئمة الأربعة رحمهم الله ، متفقون على منع تقليدهم
التقليد الأعمى الذي يتعصب له من يدعون أنهم أتباعهم .
ولو كانوا أتباعهم حقا لما خالفوهم في تقليدهم الذي منعوا منه ونهوا عنه .
قال الإمام
nindex.php?page=showalam&ids=13332أبو عمر بن عبد البر رحمه الله في جامعه : أخبرنا
عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن ، قال : حدثنا
أبو عبد الله محمد بن أحمد القاضي المالكي ، قال : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17172موسى بن إسحاق ، قال : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12366إبراهيم بن المنذر ، قال : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17126معن بن عيسى ، قال :
[ ص: 346 ] سمعت
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك بن أنس يقول : إنما أنا بشر أخطئ وأصيب ، فانظروا في رأيي ، فكل ما وافق الكتاب والسنة فخذوا به ، وكل ما لم يوافق الكتاب والسنة فاتركوه . انتهى محل الغرض منه بلفظه .
فمالك رحمه الله مع علمه وجلالته وفضله يعترف بالخطأ وينهى عن القول بما خالف الوحي من رأيه ، فمن كان مالكيا فليمتثل قول
مالك ولا يخالفه بلا مستند .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13332أبو عمر بن عبد البر رحمه الله في جامعه أيضا : أخبرني
nindex.php?page=showalam&ids=12601أحمد بن عبد الله بن محمد بن علي ، حدثني أبي ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=13474محمد بن عمر بن لبابة ، قال : حدثنا
مالك بن علي القرشي ، قال : أنبأنا
nindex.php?page=showalam&ids=15020عبد الله بن مسلمة القعنبي ، قال : دخلت على
مالك فوجدته باكيا فسلمت عليه فرد علي ثم سكت عني يبكي ، فقلت له : يا
أبا عبد الله ما الذي يبكيك ؟ فقال لي : يا
ابن قعنب ، إنا لله على ما فرط مني ، ليتني جلدت بكل كلمة تكلمت بها في هذا الأمر بسوط ، ولم يكن فرط مني ما فرط من هذا الرأي ، وهذه المسائل قد كانت لي سعة فيما سبقت إليه . انتهى محل الغرض منه بلفظه .
ومن المعلوم بالضرورة أن
مالكا رحمه الله لا يسره ولا يرضيه تقديم رأيه هذا الذي يسترجع ويبكي ندما عليه ، ويتمنى لو ضرب بالسياط ولم يكن صدر منه ، على كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم .
فليتق الله وليستحي من الله من يقدم مثل هذا الرأي على الكتاب والسنة زاعما أنه متبع
مالكا في ذلك .
وهو مخالف فيه
لمالك ، ومخالف فيه لله ورسوله ، ولأصحابه ولكل من يعتد به من أهل العلم .
وقال
ابن القيم رحمه الله في إعلام الموقعين : وقد نهى الأئمة الأربعة عن تقليدهم وذموا من أخذ أقوالهم بغير حجة .
فقال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : مثل الذي يطلب العلم بلا حجة ، كمثل حاطب ليل يحمل حزمة حطب وفيه أفعى تلدغه وهو لا يدري ، ذكره
البيهقي .
وقال
إسماعيل بن عيسى المزني في أول مختصره : اختصرت هذا من علم
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ،
[ ص: 347 ] ومن معنى قوله ؛ لأقربه على من أراده مع إعلامه نهيه عن تقليده وتقليد غيره ؛ لينظر فيه لدينه ، ويحتاط فيه لنفسه إلى أن قال : وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد بن حنبل : لا تقلدني ، ولا تقلد
مالكا ، ولا
nindex.php?page=showalam&ids=16004الثوري ولا
nindex.php?page=showalam&ids=13760الأوزاعي ، وخذ من حيث أخذوا .
وقال : من قلة فقه الرجل أن يقلد دينه الرجال .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=15536بشر بن الوليد : قال
أبو يوسف : لا يحل لأحد أن يقول مقالتنا حتى يعلم من أين قلنا .
وقد صرح
مالك بأن من ترك قول
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب لقول
nindex.php?page=showalam&ids=12354إبراهيم النخعي أنه يستتاب ، فكيف بمن ترك قول الله ورسوله لقول من هو دون
إبراهيم أو مثله . انتهى محل الغرض منه .
ومما لا شك فيه أن
الأئمة الأربعة رحمهم الله نهوا عن تقليدهم في كل ما خالف كتابا أو سنة كما نقله عنهم أصحابهم ، كما هو مقرر في كتب الحنفية عن
أبي حنيفة .
وكتب
الشافعية عن
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي القائل : إذا صح الحديث فهو مذهبي .
وكتب المالكية ، والحنابلة عن
مالك وأحمد رحمهم الله جميعا .
وكذلك كان غيرهم من أفاضل العلماء يمنعون من تقليدهم فيما لم يوافق الكتاب والسنة وقد يتحفظون منه ولا يرضون .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=13332أبو عمر بن عبد البر رحمه الله في جامعه : وذكر
محمد بن حارث في أخبار
nindex.php?page=showalam&ids=15968سحنون بن سعيد عن
nindex.php?page=showalam&ids=15968سحنون ، قال : كان
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك بن أنس ،
nindex.php?page=showalam&ids=15136وعبد العزيز بن أبي سلمة ،
ومحمد بن إبراهيم بن دينار ، وغيرهم يختلفون إلى
ابن هرمز ، فكان إذا سأله
مالك وعبد العزيز أجابهما .
وإذا سأله
محمد بن إبراهيم بن دينار وذووه لم يجبهم فقال له : يسألك
مالك وعبد العزيز فتجيبهما ، وأسألك أنا وذوي فلا تجيبنا ؟ فقال : أوقع ذلك يا ابن أخي في قلبك ؟ قال : نعم ، فقال له : إني قد كبرت سني ورق عظمي ، وأنا أخاف أن يكون خالطني في عقلي مثل الذي خالطني في بدني ،
[ ص: 348 ] ومالك وعبد العزيز عالمان فقيهان ، إذا سمعا مني حقا قبلاه ، وإذا سمعا خطأ تركاه ، وأنت وذووك ما أجبتكم به قبلتموه .
قال
محمد بن حارث : هذا والله هو الدين الكامل ، والعقل الراجح ، لا كمن يأتي بالهذيان ، ويريد أن ينزل من القلوب منزلة القرآن . انتهى منه .