[ ص: 358 ] التنبيه الثامن
اعلم أن كلا من الأئمة أخذت عليه مسائل . قال بعض العلماء : إنه خالف فيها السنة ، وسنذكر طرفا من ذلك هنا إن شاء الله .
أما الإمام
أبو حنيفة رحمه الله فهو أكثر الأئمة في ذلك ; لأنه أكثرهم رأيا .
ولكثرة المسائل التي حصل فيها القيل والقال من ذلك لا نحتاج إلى بسط تفصيلها .
وبعض المسائل التي قيل فيها ذلك يظهر أنه لم تبلغه السنة فيها ، وبعضها قد بلغته السنة فيها ، ولكنه تركها لشيء آخر ظنه أرجح منها ، كتركه العمل لحديث القضاء بالشاهد واليمين في الأموال .
وحديث تغريب الزاني البكر ; لأنه ترك العمل بذلك ونحوه احتراما للنصوص القرآنية في ظنه ; لأنه يعتقد أن الزيادة على النص نسخ وأن القضاء بالشاهد واليمين نسخ ; لقوله تعالى :
واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء [ 2 \ 282 ] .
فاحترم النص القرآني المتواتر ، فلم يرض نسخه بخبر آحاد سنده دون سنده ; لأن
نسخ المتواتر بالآحاد عنده رفع للأقوى بالأضعف ، وذلك لا يصح .
وكذلك حديث تغريب الزاني البكر فهو عنده زيادة ناسخة لقوله تعالى :
الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة [ 24 \ 2 ] ، والمتواتر لا ينسخ بالآحاد .
فتركه العمل بهذا النوع من الأحاديث بناه على مقدمتين :
إحداهما : أن الزيادة على النص نسخ .
والثانية : أن المتواتر لا ينسخ بالآحاد .
وخالفه في المقدمة الأولى جمهور العلماء ، ووافقوه في الثانية .
والذي يظهر لنا ونعتقده اعتقادا جازما أن كلتا المقدمتين ليست بصحيحة .
أما الزيادة فيجب فيها التفصيل ، فإن كانت أثبتت حكما نفاه النص أو نفت حكما أثبته النص فهي نسخ .
[ ص: 359 ] وإن كانت لم تتعرض للنص بنفي ولا إثبات بل زادت شيئا سكت عنه النص فلا يمكن أن تكون نسخا لأنها إنما رفعت الإباحة العقلية التي هي البراءة الأصلية ، ورفعها ليس نسخا إجماعا .
وأما نسخ المتواتر بالآحاد ، فالتحقيق الذي لا شك فيه أنه لا مانع منه ولا محذور فيه ، ولا وجه لمنعه البتة ، وإن خالف في ذلك جمهور أهل الأصول ; لأن أخبار الآحاد الصحيحة الثابت تأخرها عن المتواتر لا وجه لردها ، ولا تعارض البتة بينها وبين المتواتر إذ لا تناقض بين خبرين اختلف زمنهما ، لجواز صدق كل منهما في وقته .
فلو أخبرك مثلا عدد يستحيل تواطؤهم على الكذب ، بأن أخاك الغائب لم يزل غائبا ولم يأت منزله ; لأنهم كانوا بمنزله وليس بموجود ، ثم أخبرك بعد ذلك رجل واحد بأن أخاك موجود في منزله الآن ، فهل يسوغ لك أن تقول له كذبت ، لأني أخبرني عدد كثير قبلك أنه لم يأت ؟
ولو قلت له ذلك لقال لك هم في وقت إخبارهم لك صادقون ، ولكن أخاك جاء بعد ذلك .
فالمتواتر في وقت نزوله صادق ، وخبر الآحاد الوارد بعده صادق أيضا ; لأنه أفاد تجدد شيء لم يكن ، فحصر المحرمات مثلا في الأربع المذكورة في قوله تعالى :
قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة الآية [ 6 \ 145 ] صادق في ذلك الوقت ، لا يوجد محرم على طاعم يطعمه إلا تلك المحرمات الأربع .
فلا تحرم في ذلك الوقت الحمر الأهلية ، ولا ذو الناب من السباع ، ولا الخمر ، ولا غير ذلك .
فإذا جاء بعد خبر آحاد صحيح أن النبي - صلى الله عليه وسلم حرم
لحوم الحمر الأهلية بخيبر ، فهل يسوغ لقائل أن يقول :
هذا الخبر الصحيح مردود لأنه يعارض حصر المحرمات في الأربع المذكورة في آية :
قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما [ 6 \ 145 ] ؟
ولو قال ذلك لقيل له : هذا الخبر الصحيح لا تناقضه الآية ، لأنه إنما أفاد حكما
[ ص: 360 ] جديدا طارئا لم يكن مشروعا من قبل ، وأحكام الشريعة تتجدد شيئا فشيئا ، والآية لم تدل على استمرار الحصر المذكور فيها .
فتبين أن زيادة حكم طارئ لا تناقض بينها وبين ما كان قبلها .
وإيضاح هذا أن نسخ المتواتر بالآحاد إنما رفع استمرار حكم المتواتر ودلالة المتواتر على استمرار حكمه ليست قطعية حتى يمنع نسخها بأخبار الآحاد الصحيحة .
وقد قدمنا إيضاح هذا في سورة الأنعام ، وقصدنا مطلق المثال لما يقال : إن الإمام
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبا حنيفة رحمه الله خالف فيه السنة برأيه .
وغرضنا أن نبين أنه رحمه الله لم يخالف شيئا من ذلك ، إلا لشيء اعتقده مسوغا لذلك ، وأنه لا يترك السنة إلا لشيء يراه مستوجبا لذلك شرعا .
ومما يبين ذلك أنه كان يقدم ضعيف الحديث على الرأي .
قال
ابن القيم رحمه الله في إعلام الموقعين ما نصه : وأصحاب
أبي حنيفة رحمه الله مجمعون على أن مذهب
أبي حنيفة أن
ضعيف الحديث عنده أولى من القياس والرأي .
وعلى ذلك بنى مذهبه كما قدم حديث القهقهة مع ضعفه على القياس والرأي .
وقدم حديث الوضوء بنبيذ التمر في السفر مع ضعفه على الرأي والقياس .
ومنع قطع يد السارق لسرقة أقل من عشرة دراهم ، والحديث فيه ضعيف .
وجعل أكثر الحيض عشرة أيام والحديث فيه ضعيف .
وشرط في إقامة الجمعة المصر ، والحديث فيه كذلك .
وترك القياس المحض في مسائل الآبار لآثار فيها غير مرفوعة .
فتقديم الحديث الضعيف وآثار الصحابة قوله ، وقول الإمام
أحمد : وليس المراد بالحديث الضعيف في اصطلاح السلف هو الضعف في اصطلاح المتأخرين ; بل ما يسميه المتأخرون حسنا قد يسميه المتقدمون ضعيفا . انتهى محل الغرض منه .
ومن أمثلة ما ذكر أن
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبا حنيفة رحمه الله خالف فيها السنة لزوم الطمأنينة في الصلاة ، وتعين تكبيرة الإحرام في الدخول فيها ، والسلام للخروج منها ،
[ ص: 361 ] وقراءة الفاتحة فيها ، والنية في الوضوء ، والغسل ، إلى غير ذلك من مسائل كثيرة .
ولا يتسع المقام هنا لذكر ما استدل به
أبو حنيفة لذلك ومناقشة الأدلة .
بل المقصود بيان أن
الأئمة لا يخلو أحد منهم من أن يؤخذ عليه شيء خالف فيه سنة وأنهم لم يخالفوها إلا لشيء سوغ لهم ذلك .
وعند المناقشة الدقيقة قد يظهر أن الحق قد يكون معهم وقد يكون الأمر بخلاف ذلك .
وعلى كل حال فهم مأجورون ومعذورون كما تقدم إيضاحه .
وقد أخذ بعض العلماء على
مالك رحمه الله أشياء قال : إنه خالف فيها السنة قال
nindex.php?page=showalam&ids=13332أبو عمر بن عبد البر رحمه الله في جامعه : وقد ذكر
nindex.php?page=showalam&ids=17317يحيى بن سلام قال : سمعت
عبد الله بن غانم في مجلس
nindex.php?page=showalam&ids=12362إبراهيم بن الأغلب يحدث عن
nindex.php?page=showalam&ids=15124الليث بن سعد أنه قال : أحصيت على
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك بن أنس سبعين مسألة ، كلها مخالفة لسنة النبي - صلى الله عليه وسلم - مما قال مالك فيها برأيه ، قال : ولقد كتبت إليه في ذلك . انتهى محل الغرض منه .
ومعلوم أن مثل كلام
الليث هذا عن
مالك لا أثر له ، لأنه لم يعين المسائل المذكورة ولا أدلتها .
فيجوز أن يكون الصواب فيها مع
مالك لأدلة خفيت على
الليث ، فليس خفاؤها على
مالك بأولى من خفائها على
الليث .
ولا شك أن مذهب
مالك المدون فيه فروع تخالف بعض نصوص الوحي . والظاهر أن بعضها لم يبلغه رحمه الله ولو بلغه لعمل به .
وأن بعضها بلغه وترك العمل به لشيء آخر يعتقده دليلا أقوى منه .
ومن أمثلة ما لم يبلغه النص فيه - صيام ست من شوال بعد صوم رمضان .
قال رحمه الله في الموطأ ما نصه : إني لم أر أحدا من أهل العلم والفقه يصومها ولم يبلغني ذلك عن أحد من السلف .
وإن أهل العلم يكرهون ذلك ويخافون بدعته ،
[ ص: 362 ] وأن يلحق برمضان ما ليس منه أهل الجهالة والجفاء ، ولو رأوا في ذلك رخصة عند أهل العلم ، ورأوهم يعلمون ذلك . انتهى منه بلفظه .
وفيه تصريح
مالك رحمه الله بأنه لم يبلغه
صيام ست من شوال عن أحد من السلف ، وهو صريح في أنه لم يبلغه عن النبي - صلى الله عليه وسلم .
ولا شك أنه لو بلغه الترغيب فيه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - لكان يصومها ويأمر بصومها ، فضلا عن أن يقول بكراهتها .
وهو لا يشك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أرأف وأرحم بالأمة منه ; لأن الله وصفه - صلى الله عليه وسلم - في القرآن بأنه
رءوف رحيم [ 9 \ 128 ] .
فلو كان صوم السنة يلزمه المحذور الذي كرهها
مالك من أجله لما رغب فيها النبي - صلى الله عليه وسلم - ولراعى المحذور الذي راعاه
مالك .
ولكنه - صلى الله عليه وسلم - ألغى المحذور المذكور وأهدره ، لعلمه بأن شهر رمضان أشهر من أن يلتبس بشيء من شوال .
كما أن النوافل المرغب فيها قبل الصلوات المكتوبة وبعدها لم يكرهها أحد من أهل العلم خشية أن يلحقها الجهلة بالمكتوبات لشهرة المكتوبات الخمس وعدم التباسها بغيرها .
وعلى كل حال ، فإنه ليس لإمام من الأئمة أن يقول هذا الأمر الذي شرعه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مكروه لخشية أن يظنه الجهال من جنس الواجب .
وصيام الستة المذكورة ، وترغيب النبي - صلى الله عليه وسلم - فيه ثابت عنه .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم بن الحجاج رحمه الله في صحيحه : حدثنا
يحيى بن أيوب ،
nindex.php?page=showalam&ids=16818وقتيبة بن سعيد ،
nindex.php?page=showalam&ids=16609وعلي بن حجر جميعا عن
إسماعيل ، قال
ابن أيوب : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12430إسماعيل بن جعفر ، أخبرني
سعد بن سعيد بن قيس عن
عمر بن ثابت بن الحارث الخزرجي عن
nindex.php?page=showalam&ids=50أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه ; أنه حدثه : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009443من صام رمضان ثم أتبعه ستا من شوال كان كصيام الدهر " انتهى منه بلفظه .
وفيه التصريح من النبي - صلى الله عليه وسلم - بالترغيب في صوم الستة المذكورة فالقول بكراهتها من
[ ص: 363 ] غير مستند من أدلة الوحي خشية إلحاق الجهال لها برمضان ، لا يليق بجلالة
مالك وعلمه وورعه ، لكن الحديث لم يبلغه كما هو صريح كلامه نفسه رحمه الله في قوله : لم يبلغني ذلك عن أحد من السلف ، ولو بلغه الحديث لعمل به ; لأنه رحمه الله من أكثر الناس اتباعا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأحرصهم على العمل بسنته .
والحديث المذكور رواه
أحمد وأصحاب السنن إلا
nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي ، وصوم السنة المذكور رواه أيضا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - جماعة من أصحابه ، منهم
nindex.php?page=showalam&ids=99ثوبان ،
وجابر ،
nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس ،
nindex.php?page=showalam&ids=3وأبو هريرة ،
nindex.php?page=showalam&ids=48والبراء بن عازب كما بينه صاحب نيل الأوطار .
وعلى كل حال فالحديث صحيح ويكفي في ذلك إسناد
مسلم المذكور ، ولا عبرة بكلام من تكلم في
nindex.php?page=showalam&ids=15978سعد بن سعيد لتوثيق بعض أهل العلم له واعتماد
مسلم عليه في صحيحه .
ومن أمثلة ما لم تبلغ
مالكا رحمه الله فيه السنة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
إفراد صوم يوم الجمعة ، فقد قال رحمه الله في الموطأ ما نصه : لم أسمع أحدا من أهل العلم والفقه ، ومن يقتدى به ينهى عن صيام يوم الجمعة ، وصيامه حسن ، وقد رأيت بعض أهل العلم يصومه ، وأراه كان يتحراه . انتهى منه بلفظه .
وفيه تصريحه رحمه الله بأنه لم يسمع أحدا من أهل العلم ينهى عن صوم الجمعة .
وأن ذلك حسن عنده ، وأنه رأى بعض أهل العلم يتحرى يوم الجمعة ليصومه .
وهذا تصريح منه رحمه الله بأنه لم يبلغه نهي النبي - صلى الله عليه وسلم - عن صوم يوم الجمعة وحده ، وأمره من صامه أن يصوم معه يوما غيره وإلا أفطر إن ابتدأ صيامه ناويا إفراده .
ولو بلغته السنة في ذلك عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعمل بها وترك العمل بغيرها ; لأن النهي عن صوم يوم الجمعة وحده ثابت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري رحمه الله في صحيحه : حدثنا
أبو عاصم عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، عن
عبد الحميد بن جبير بن شيبة ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16984محمد بن عباد ، قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009444سألت جابرا رضي الله عنه : أنهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن صوم الجمعة ؟ قال : نعم . زاد غير
أبي عاصم : يعني أن ينفرد بصومه .
حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16665عمر بن حفص بن غياث ، حدثنا أبي حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=13726الأعمش ، حدثنا
أبو صالح عن
[ ص: 364 ] nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة رضي الله عنه ، قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009445لا يصوم أحدكم يوم الجمعة إلا يوما قبله أو بعده " .
حدثنا
مسدد ، حدثنا
يحيى عن
شعبة ، ح وحدثني
محمد ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16769غندر ، حدثنا
شعبة ، عن
قتادة ، عن أبي
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009446عن nindex.php?page=showalam&ids=149جويرية بنت الحارث رضي الله عنها : " أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل عليها يوم الجمعة وهي صائمة ، فقال : أصمت أمس ؟ قالت : لا ، قال : تريدين أن تصومي غدا ؟ قالت : لا . قال : فأفطري " .
وقال
حماد بن الجعد سمع
قتادة حدثني
أبو أيوب : أن
جويرية حدثته فأمرها ، فأفطرت ، انتهى من صحيح
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري بلفظه .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم بن الحجاج رحمه الله في صحيحه : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16696عمرو الناقد حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16008سفيان بن عيينة عن
عبد الحميد بن جبير عن
nindex.php?page=showalam&ids=16984محمد بن عباد بن جعفر "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009447سألت nindex.php?page=showalam&ids=36جابر بن عبد الله رضي الله عنهما وهو يطوف بالبيت أنهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن صيام يوم الجمعة ؟ فقال : نعم ، ورب هذا البيت " .
وقال
مسلم أيضا : وحدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12508أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا
حفص nindex.php?page=showalam&ids=12156وأبو معاوية عن
nindex.php?page=showalam&ids=13726الأعمش ، ح وحدثنا
يحيى بن يحيى واللفظ له أخبرنا
أبو معاوية عن
nindex.php?page=showalam&ids=13726الأعمش عن
أبي صالح عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009448لا يصم أحدكم يوم الجمعة إلا أن يصوم قبله أو يصوم بعده " .
وفي لفظ في صحيح
مسلم من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009449لا تختصوا ليلة الجمعة بقيام من بين الليالي ولا تخصوا يوم الجمعة بصيام من بين الأيام ، إلا أن يكون في صوم يصومه أحدكم " هذا لفظ
مسلم في صحيحه .
ولا شك أن هذه الأحاديث لو بلغت
مالكا ما خالفها ، فهو معذور في كونها لم تبلغه .
وقال
النووي في شرح
مسلم : وأما قول
مالك في الموطأ : لم أسمع أحدا من أهل العلم والفقه ومن به يقتدى نهى عن صيام يوم الجمعة وصيامه حسن ، وقد رأيت بعض أهل العلم يصومه وأراه كان يتحراه .
فهذا الذي قاله هو الذي رآه ، وقد رأى غيره خلاف ما رأى هو ، والسنة مقدمة على ما رآه هو وغيره .
[ ص: 365 ] وقد ثبت النهي عن صوم يوم الجمعة ، فيتعين القول به ،
ومالك معذور ، فإنه لم يبلغه .
قال
الداودي من أصحاب
مالك : لم يبلغ
مالكا هذا الحديث ولو بلغه لم يخالفه . انتهى منه .
وهذا هو الحق الذي لا شك فيه ; لأن
مالكا من أورع العلماء وأكثر الناس اتباعا لسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلا يدعها وهو عالم بها .
وقوله في هذا الحديث : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009450إلا أن يكون في صوم يصومه أحدكم " أي كأن ينذر أحد صوم اليوم الذي يشفي الله فيه مريضه ، فوافق ذلك يوم الجمعة ; لأن صومه له لأجل النذر ، الذي لم يقصد بأصله تعيين يوم الجمعة .
وإنما النهي فيمن قصد بصومه نفس يوم الجمعة دون غيره .
والغرض عندنا إنما هو المثال لبعض الأحكام التي لم تبلغ
مالكا فيها السنة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولو بلغته لعمل بها .
ومعلوم أن هنالك بعضا من النصوص ترك
مالك العمل به مع أنه بلغه ; لأنه يعتقد أن ما ترك النص من أجله أرجح من النص .
وهذا يحتاج فيه إلى مناقشات دقيقة بين الأدلة ، فقد يكون الحق في ذلك مع هذا الإمام تارة ومع غيره أخرى .
فقد ترك
مالك العمل بحديث خيار المجلس مع أنه حديث متفق عليه ، وقد بلغ
مالكا .
وقد حلف
عبد الحميد الصائغ من المالكية بالمشي إلى
مكة على أنه لا يفتي بثلاث . قالها
مالك .
ومراده بالثلاث المذكورة - عدم القول بخيار المجلس هذا مع صحة الحديث فيه .
وجنسية القمح والشعير مع صحة الأحاديث الدالة على أنهما جنسان .
والتدمية البيضاء ، ولا شك أن
مالكا بلغه حديث خيار المجلس هذا .
[ ص: 366 ] فقد روى في الموطأ عن
نافع عن
عبد الله بن عمر ; أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009451المتبايعان كل واحد منهما بالخيار على صاحبه ما لم يتفرقا إلا بيع الخيار " .
قال
مالك : وليس لهذا عندنا حد معروف ، ولا أمر معمول به فيه . انتهى منه بلفظه .
مع أن
مالكا لم يعمل بهذا الحديث الصحيح : وأشار في الموطأ إلى بعض الأسباب التي منعته من العمل به في قوله : وليس لهذا عندنا حد معروف ولا أمر معمول به فيه ، لأن خيار المجلس لم يحدد بحد معروف .
فصار القول به مانعا من انعقاد البيع إلى حد غير معروف .
وقد يكون المتعاقدان في سفينة في البحر لا يمكنهم التفرق بالأبدان ، وقد يكونان مسجونين في محل لا يمكنهما التفرق فيه .
وقد حمل
مالك التفرق المذكور في الحديث على التفرق في الكلام ، وصيغة العقد ، قال : وقد أطلق التفرق على التفرق في الكلام دون الأبدان في قوله تعالى :
وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته [ 4 \ 130 ] ، فالتفرق في الآية إنما هو بالتكلم بصيغة الطلاق لا بالأبدان .
وقوله تعالى :
وما تفرق الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءتهم البينة [ 98 \ 4 ] ، فالتفرق في الآية تفرق بالكلام والاعتقاد ، فلا يشترط أن يكون بالأبدان .
وحجج من احتج
لمالك في عدم أخذه بحديث خيار المجلس هذا كثيرة معروفة .
منها ما هو في آيات من كتاب الله كقوله تعالى :
وأشهدوا إذا تبايعتم [ 2 \ 282 ] ، وقوله :
أوفوا بالعقود [ 5 \ 1 ] ، وقوله :
إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم [ 4 \ 29 ] .
ومنها ما هو بغير ذلك ، وليس غرضنا هنا بسط الحجج ومناقشتها ، وإنما غرضنا المثال ; لأن
الإمام قد يترك نصا بلغه لاعتقاد أن ما ترك من أجله النص أرجح من نفس النص ، وأنه يجب على المسلم مراعاة المخرج والنجاة لنفسه فينظر في الأدلة ، ويعمل بأقواها وأقربها إلى رضا الله .
كما حلف
عبد الحميد الصائغ بالمشي إلى
مكة ، لا يفتي بقول
مالك في هذا .
[ ص: 367 ] مع أنه عالم مالكي ، لأنه رأى الأدلة واضحة وضوحا لا لبس فيه في أن المراد بالتفرق التفرق بالأبدان .
وقد صرح بذلك جماعة من الصحابة منهم
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر راوي الحديث ، ولم يعلم لهم مخالف من الصحابة .
ولا شك أن المنصف إذا تأمل تأملا صادقا خاليا من التعصب عرف أن الحق هو ثبوت خيار المجلس ، وأن المراد بالتفرق التفرق في الأبدان لا بالكلام ; لأن معنى التفرق بالكلام هو حصول الإيجاب من البائع والقبول من المشتري .
وكل عاقل يعلم أن الخيار حاصل لكل من البائع والمشتري ضرورة قبل حصول الإيجاب والقبول ، فحمل كلام النبي - صلى الله عليه وسلم - على هذا حمل له على تحصيل حاصل ، وهو كما ترى .
مع أن حمل الكلام على هذا المعنى يستلزم أن المراد بالمتبايعين في الحديث المتساومان ; لأنه لا يصدق عليهما اسم المتبايعين حقيقة إلا بعد حصول الإيجاب والقبول .
وحمل المتبايعين في كلام النبي - صلى الله عليه وسلم - على المتساومين اللذين لم ينعقد بينهما بيع خلاف الظاهر أيضا كما ترى .
وأما كون القمح والشعير جنسا واحدا ، فقد استدل له
مالك ببعض الآثار التي ليس فيها شيء مرفوع إلى النبي - صلى الله عليه وسلم .
قال في الموطأ : إنه بلغه أن
nindex.php?page=showalam&ids=16049سليمان بن يسار قال : فني علف حمار
nindex.php?page=showalam&ids=37سعد بن أبي وقاص فقال لغلامه : خذ من حنطة أهلك فابتع بها شعيرا ، ولا تأخذ إلا مثله . انتهى منه بلفظه .
وفي الموطأ أيضا عن
نافع عن
nindex.php?page=showalam&ids=16049سليمان بن يسار أنه أخبره أن
عبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث فني علف دابته ، فقال لغلامه : خذ من حنطة أهلك فابتع بها شعيرا ولا تأخذ إلا مثله . انتهى منه بلفظه .
وفي الموطأ أيضا : أن
مالكا بلغه عن
nindex.php?page=showalam&ids=14946القاسم بن محمد عن
ابن معيقيب الدوسي مثل
[ ص: 368 ] ذلك . قال
مالك : وهو الأمر عندنا . انتهى منه بلفظه .
فهذه الآثار هي عمدة
مالك رحمه الله في كون القمح والشعير جنسا واحدا ، وعضد ذلك بتقارب منفعتهما .
والتحقيق الذي لا شك فيه أن القمح والشعير جنسان ، كما جاءت بذلك الأحاديث الصحيحة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا تصح معارضتها البتة بمثل هذه الآثار المروية عمن ذكر .
وقد روى
مسلم في صحيحه عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009452التمر بالتمر والحنطة بالحنطة والشعير بالشعير والملح بالملح مثلا بمثل يدا بيد فمن زاد أو استزاد فقد أربى إلا ما اختلفت ألوانه " انتهى منه بلفظه .
وهو صريح بأن القمح والشعير جنسان مختلفان ، كاختلافهما مع التمر والملح ، وأن التفاضل جائز مع
اختلاف الجنس إن كان يدا بيد ، وروى
مسلم في صحيحه والإمام
أحمد عن
nindex.php?page=showalam&ids=63عبادة بن الصامت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009453الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير ، والتمر بالتمر ، والملح بالملح مثلا بمثل ، سواء بسواء ، يدا بيد " انتهى منه بلفظه .
nindex.php?page=showalam&ids=15397وللنسائي nindex.php?page=showalam&ids=13478وابن ماجه وأبي داود نحوه ، وفي آخره :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009454وأمرنا أن نبيع البر بالشعير والشعير بالبر يدا بيد كيف شئنا .
قال
المجد في المنتقى لما ساق هذا الحديث - ما نصه : وهو صريح في كون البر والشعير جنسين ، وما قاله صحيح كما ترى .
والأحاديث بمثل هذا كثيرة ، وقد قدمنا طرفا منها في سورة البقرة ، والمقصود هنا بيان صراحة الأحاديث الثابتة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في أن القمح والشعير جنسان لا جنس واحد ، وأنهما لا يجوز ترك العمل بها مع صحتها ووضوحها ، ولا أن يقدم عليها أثر موقوف على
nindex.php?page=showalam&ids=37سعد بن أبي وقاص ولا أثر موقوف على
عبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث ، ولا أثر موقوف على
ابن معيقيب .
واعلم أنه لا يصح الاستدلال لكون القمح والشعير جنسا واحدا بحديث
معمر بن عبد الله الثابت في صحيح
مسلم وغيره ، قال : كنت أسمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007206الطعام بالطعام مثلا بمثل " الحديث ، وذلك لأمرين :
[ ص: 369 ] أحدهما أن
معمرا المذكور قال في آخر الحديث : وكان طعامهم يومئذ الشعير ، فقد عين أن عرفهم المقارن للخطاب يخصص الطعام المذكور بالشعير .
والمقرر في أصول
مالك : أن
العرف المقارن للخطاب من المخصصات المنفصلة التي يخصص بها العام قال في مراقي
السعود في ذلك :
والعرف حيث قارن الخطابا ودع ضمير البعض والأسبابا
الأمر الثاني : إن الاستدلال بالحديث المذكور على فرض اعتبار عمومه ، وعدم تخصيصه بالعرف المذكور ، يقتضي أن الطعام كله جنس واحد فيدخل التمر والملح لصدق الطعام عليهما ، وهذا لا قائل به كما ترى .
فالظاهر أن الإمام
مالكا رحمه الله ومن وافقه من أهل العلم ، لم تبلغهم هذه الأحاديث الصحيحة المصرحة ، بأن القمح والشعير والتمر والملح أجناس .
وأن القمح يباع بالشعير كيف شاء المتبايعان إن كان يدا بيد .
وأما التدمية البيضاء فقول
مالك فيها يظهر لنا قوته واتجاهه ، وإن خالف في ذلك بعض أصحابه وأكثر أهل العلم .
وقد بين وجه قول
مالك فيها
nindex.php?page=showalam&ids=13332ابن عبد البر وابن العربي وغيرهما .
والمسائل التي قال بعض أهل العلم إن
مالكا خالف فيها السنة المعروفة منها ما ذكرنا .
ومنها مسألة سجود الشكر وسجدات التلاوة في المفصل ، وعدم الجهر بآمين ، وعدم رفع اليدين عند الركوع والرفع منه ، وعدم قول الإمام : ربنا ولك الحمد ، وعدم ضفر رأس المرأة الميتة ثلاث ضفائر ، وترك السجدة الثانية في الحج ، وغير ذلك من المسائل .
وقد قدمنا أن بعض ما ترك
مالك من النصوص قد بلغته فيه السنة ولكنه رأى غيرها أرجح منها ، وأن بعضها لم يبلغه ، وأن الحق قد يكون معه في بعض المسائل التي أخذت عليه ، وقد يكون مع غيره ، كما قال
مالك نفسه رحمه الله : كل كلام فيه مقبول ومردود ، إلا كلام صاحب هذا القبر .
وهو تارة يقدم دليل القرآن المطلق أو العام على السنة التي هي أخبار آحاد ; لأن
[ ص: 370 ] القرآن أقوى سندا وإن كانت السنة أظهر دلالة ، ولأجل هذا لم يبح ميتة الجراد بدون ذكاة ; لأنه يقدم عموم
حرمت عليكم الميتة [ 5 \ 3 ] . على حديث : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007610أحلت لنا ميتتان ودمان " الحديث ، وقدم عموم قوله تعالى :
ادعوا ربكم تضرعا وخفية [ 7 \ 55 ] ، على الأحاديث الواردة بالجهر بآمين لأن التأمين دعاء ، والدعاء مأمور بإخفائه في الآية المذكورة .
فالآية أقوى سندا وأحاديث الجهر بالتأمين أظهر دلالة في محل النزاع . ومن المعلوم أن أكثر أهل العلم يقدمون السنة في نحو هذا .
وقد قدم
مالك رحمه الله دليل القرآن فيما ذكرنا كما قدمه أيضا في الثانية من سجدتي الحج لأن نص الآية الكريمة فيها كالصريح في أن المراد سجود الصلاة ، لأن الله يقول فيها :
ياأيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم [ 22 \ 77 ] ، فذكر الركوع مع السجود يدل على أن المراد سجود الصلاة .
والأمر بالصلاة في القرآن لا يستلزم سجود التلاوة كقوله :
فصل لربك وانحر [ 108 \ 2 ] .
ولذلك لا يسجد عند قوله تعالى في آخر الحجر :
فسبح بحمد ربك وكن من الساجدين [ 15 \ 98 ] .
قالوا : لأن معنى قوله :
فسبح بحمد ربك أي : صل لربك متلبسا بحمده ، وكن من الساجدين في صلاتك .
ولا شك أن قوله تعالى في ثانية الحج :
ياأيها الذين آمنوا اركعوا الآية [ 22 \ 77 ] أصرح في إرادة سجود الصلاة من قوله تعالى :
فسبح بحمد ربك وكن من الساجدين .
ثم بعد هذا كله فإننا نكرر أن الأئمة رحمهم الله لا يلحقهم نقص ولا عيب فيما أخذ عليهم ; لأنهم رحمهم الله بذلوا وسعهم في تعلم ما جاء عن الله على لسان رسوله - صلى الله عليه وسلم - ثم اجتهدوا بحسب طاقتهم ،
فالمصيب منهم له أجر اجتهاده وإصابته ، والمخطئ منهم مأجور في اجتهاده معذور في خطئه ، ولا يسعنا هنا مناقشة الأدلة فيما أخذ عليهم رحمهم الله ، وإنما قصدنا مع الاعتراف بعظم منزلتهم أن نبين أن كتاب الله وسنة
[ ص: 371 ] رسوله - صلى الله عليه وسلم - يجب تقديمهما على أقوالهم ، لأنهم غير معصومين من الخطأ ، وأن مذاهبهم المدونة لا يصح ولا يجوز الاستغناء بها عن كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - وأن على كل مسلم قادر على التعليم أن يتعلم الكتاب والسنة ، ومعرفة مذاهب الأئمة تعينه على ذلك ، والنظر فيما استدل به كل منهم يعينه على معرفة أرجح الأقوال وأقربها إلى رضا الله .
وكذلك
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي وأحمد رحمهما الله ، فإن كل واحد منهما لا يخلو من شيء قد أخذ عليه ، ومرادنا هنا التمثيل لذلك ، وأن الوحي مقدم على أقوالهم جميعا ، وليس قصدنا الإكثار من ذلك .
وهذه أمثلة بالمطلوب وكان الشيخ رحمه الله أرجأ إيرادها فنذكرها على ما هو ظاهر من المذهبين ونرجو أن تكون موافقة لما أراد . وبالله التوفيق .
فمما هو في مذهب
أحمد رحمه الله
صوم يوم الشك وهو يوم الثلاثين من الشعبان حينما يشك فيه هل هو تمام شعبان أو أول رمضان . وذلك حينما تكون السماء مغيمة خشية أن يظهر الهلال خلف الغيم أو القتر .
ولا يكون يوم شك إذا كانت السماء صحوا لأنه إذا رئي الهلال فهو من رمضان وإلا فهو من شعبان .
فمذهب
أحمد هو صوم هذا اليوم المشكوك فيه احتياطا لرمضان ، وهو نص المعنى إلا أنه ذكر عن
أحمد روايات أخر . ولكن صومه هو المقدم في المذهب . ولكنه مخالف لصريح النص في قوله - صلى الله عليه وسلم - في ذلك : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009455من صام اليوم الذي يشك فيه فقد عصى أبا القاسم " - صلى الله عليه وسلم .
قال في بلوغ المرام : ذكره
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري تعليقا ووصله ، قال في سبل السلام : واعلم أن يوم الشك هو يوم الثلاثين من شعبان إذا لم ير الهلال في ليلة بغيم ساتر ، أو نحوه فيجوز كونه من رمضان وكونه من شعبان ، والحديث وما في معناه يدل على تحريم صومه . ا هـ .
يعني بما في معناه قوله - صلى الله عليه وسلم : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009456صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم فاقدروا له ثلاثين " . متفق عليه ،
ولمسلم "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009457فإن غم عليكم فاقدروا له ثلاثين "
nindex.php?page=showalam&ids=12070وللبخاري : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009458فأكملوا العدة ثلاثين " .
وشبهة
أحمد في قوله - صلى الله عليه وسلم : " فاقدروا له " بمعنى فضيقوا عليه كما في قوله
[ ص: 372 ] تعالى :
ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله [ 65 \ 7 ] ، ولكن هذا معارض للنص الصريح في معنى "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009459فاقدروا له ثلاثين " وقوله : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009458فأكملوا العدة ثلاثين " أي سواء في شعبان أو في تمام رمضان عند الفطر ، ولم يقل بصومه من الأئمة إلا
أحمد رحمه الله .
ومما هو عند
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي قوله بنقض الوضوء من مجرد
لمس المرأة الأجنبية بدون حائل مع ما جاء عنه - صلى الله عليه وسلم - في أحاديث
عائشة رضي الله عنها : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009460كنت أنام معترضة في القبلة ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - قائم يصلي فإذا سجد غمزني في رجلي فأقبضها فإذا قام مددتها " .
وقد أجابوا عن ذلك باحتمال سترها بحائل فجاء قولها "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009461افتقدت رسول الله ذات ليلة فقمت أطلبه والحجرات ليس فيه آنذاك السرج حتى وقعت كفي على بطن قدمه وهو ساجد يقول : سبوح قدوس رب الملائكة والروح ، فقلت : والله إنك لفي واد وأنا في واد " .
فلما قام للركعة الثانية ظنته ذهب عند بعض نسائه فاغتسل ثم جاء يصلي عندها فقامت وأدخلت يدها في شعر رأسه تتحسس هل اغتسل أم لا . إلخ .
ولهم أجوبة على كل ذلك ولكنها لا تنهض مع هذه النصوص الصريحة .
وشبهة
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي في ذلك في معنى :
لامستم النساء من قوله تعالى :
أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا [ 4 \ 43 ] ، ولم يقل بنقض الوضوء به من الأئمة إلا
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رحمه الله .
ومما ينبغي التنبيه عليه في هذا المقام أنه لا يتأتى من أحد أئمة المسلمين أن يخالف نصا صريحا من كتاب أو سنة ، بدون أن تكون لديه شبهة معارضة بنص آخر ، أو عدم بلوغ النص إليه ، أو عدم صحته عنده أو غير ذلك مما هو معروف في هذا المقام .
وإنما أوردنا هذين المثالين تتمة للبحث ولمجرد المثال .