[ ص: 400 ] بسم الله الرحمن الرحيم .
سورة الحجرات .
قوله تعالى :
يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله واتقوا الله إن الله سميع عليم .
قوله تعالى في هذه الآية الكريمة :
لا تقدموا فيه لعلماء التفسير ثلاثة أوجه :
الأول منها وهو أصحها وأظهرها أنه مضارع " قدم " اللازم بمعنى تقدم .
ومنه مقدمة الجيش ، ومقدمة الكتاب بكسر الدال فيهما ، وهو اسم فاعل " قدم " بمعنى تقدم .
ويدل لهذا الوجه قراءة
يعقوب من الثلاثة الذين هم تمام العشرة : " لا تقدموا " بفتح التاء والدال المشددة ، وأصله : لا تتقدموا فحذفت إحدى التاءين .
الوجه الثاني : أنه مضارع " قدم " المتعدي ، والمفعول محذوف لإرادة التعميم ، أي : لا تقدموا قولا ولا فعلا بين يدي الله ورسوله بل أمسكوا عن ذلك حتى تصدروا فيه عن أمر الله ورسوله .
الوجه الثالث : أنه مضارع " قدم " المتعدي ، ولكنها أجريت مجرى اللازم ، وقطع النظر عن وقوعها على مفعولها ، لأن المراد هو أصل الفعل دون وقوعه على مفعول .
ونظير ذلك قوله تعالى :
وهو الذي يحيي ويميت [ 40 \ 68 ] ، أي هو المتصف بالإحياء والإماتة ، ولا يراد في ذلك وقوعهما على مفعول .
وكقوله تعالى :
قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون [ 39 \ 9 ] ، لأن المراد أن
المتصفين بالعلم لا يستوون مع غير المتصفين به .
ولا يراد هنا وقوع العلم على مفعول ، وكذلك على هذا القول :
لا تقدموا لا تكونوا من المتصفين بالتقديم .
وقد قدمنا في كلامنا الطويل على آية :
أفلا يتدبرون القرآن [ 4 \ 82 ] أن لفظة :
بين يديه [ 2 \ 97 ] ، معناها أمامه ، وذكرنا الآيات الدالة على ذلك .
[ ص: 401 ] والمعنى لا تتقدموا أمام الله ورسوله : فتقولوا في شيء بغير علم ولا إذن من الله ، وهذه الآية الكريمة فيها التصريح بالنهي عن التقديم بين يدي الله ورسوله ، ويدخل في ذلك دخولا أوليا
تشريع ما لم يأذن به الله وتحريم ما لم يحرمه ، وتحليل ما لم يحلله ، لأنه لا حرام إلا ما حرمه الله ولا حلال إلا ما أحله الله ، ولا دين إلا ما شرعه الله .
وقد أوضحنا هذه بالآيات القرآنية بكثرة في سورة الشورى في الكلام على قوله تعالى :
وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله [ 42 \ 10 ] ، وفي سورة الكهف في الكلام على قوله تعالى :
ولا يشرك في حكمه أحدا [ 18 \ 26 ] ، وفي سورة بني إسرائيل في الكلام على قوله تعالى :
إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم [ 17 \ 9 ] ، وفي غير ذلك من المواضع .
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة :
واتقوا الله أي بامتثال أمره واجتناب نهيه .
وقوله :
إن الله سميع عليم فهو سميع لكل ما تقولون من التقديم بين يديه وغيره ، عليم بكل ما تفعلون من التقديم بين يديه وغيره .