الفرع الرابع : اختلف العلماء في قدر
المدة التي إذا نوى المسافر إقامتها لزمه الإتمام ، فذهب
مالك ،
nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي ،
nindex.php?page=showalam&ids=11956وأبو ثور ، وأحمد في إحدى الروايتين إلى أنها أربعة أيام ، والشافعية يقولون : لا يحسب فيها يوم الدخول ، ولا يوم الخروج ،
ومالك يقول : إذا نوى إقامة أربعة أيام صحاح أتم .
وقال
ابن القاسم : في العتيبة يلغى يوم دخوله ولا يحسبه ، والرواية المشهورة عن
أحمد ، أنها ما زاد على إحدى وعشرين صلاة .
وقال
أبو حنيفة رحمه الله : هي نصف شهر ، واحتج من قال بأنها أربعة أيام ، بما ثبت في الصحيح من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=386العلاء بن الحضرمي رضي الله عنه أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007147ثلاث ليال يمكثهن المهاجر بمكة بعد الصدر " ، هذا لفظ
مسلم ، وفي رواية له عنه : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007285للمهاجر إقامة ثلاث ليال بعد الصدر بمكة " ، وفي رواية له عنه : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007286يقيم [ ص: 275 ] المهاجر بمكة بعد قضاء نسكه ثلاثا " ، وأخرجه
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري في المناقب ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=386العلاء بن الحضرمي أيضا بلفظ : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007147ثلاث للمهاجر بعد الصدر " اهـ . قالوا فأذن النبي - صلى الله عليه وسلم -
للمهاجرين في ثلاثة أيام يدل على أن من أقامها في حكم المسافر ، وأن ما زاد عليها يكون إقامة والمقيم عليه الإتمام ، وبما أخرجه
مالك في " الموطأ " بسند صحيح ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه أجلى
اليهود من
الحجاز ، ثم أذن لمن قدم منهم تاجرا أن يقيم ثلاثا " ، وأجيب عن هذا الدليل من جهة المخالف ، بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما رخص لهم في الثلاث ; لأنها مظنة قضاء حوائجهم ، وتهيئة أحوالهم للسفر ، وكذلك ترخيص
عمر لليهود في إقامة ثلاثة أيام ، والاستدلال المذكور له وجه من النظر ; لأنه يعتضد بالقياس ; لأن القصر شرع لأجل تخفيف مشقة السفر ، ومن أقام أربعة أيام ، فإنها مظنة لإذهاب مشقة السفر عنه ، واحتج الإمام
أحمد ، على أنها ما زاد على إحدى وعشرين صلاة بما ثبت في الصحيح من حديث
جابر ،
nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس رضي الله عنهم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007287قدم مكة في حجة الوداع صبح رابعة ، فأقام النبي - صلى الله عليه وسلم - اليوم الرابع ، والخامس ، والسادس ، والسابع ، وصلى الفجر بالأبطح يوم الثامن ، فكان يقصر الصلاة في هذه الأيام ، وقد أجمع على إقامتها ، وهي إحدى وعشرون صلاة ; لأنها أربعة أيام كاملة ، وصلاة الصبح من الثامن " ، قال : فإذا أجمع أن يقيم ، كما أقام النبي - صلى الله عليه وسلم - قصر ، وإذا أجمع على أكثر من ذلك أتم .
وروى
الأثرم ، عن
أحمد رحمه الله أن هذا الاحتجاج كلام ليس يفقهه كل الناس ، وحمل الإمام
أحمد حديث
أنس nindex.php?page=hadith&LINKID=1007288أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أقام بمكة في حجة الوداع عشرا يقصر الصلاة على هذا المعنى الذي ذكرنا عنه ، وأن
أنسا أراد مدة إقامته
بمكة ومنى ومزدلفة .
قال مقيده - عفا الله عنه - : وهذا لا ينبغي العدول عنه لظهور وجهه ، ووضوح أنه الحق .
تنبيه
حديث
أنس هذا الثابت في الصحيح ، لا يعارضه ما ثبت في الصحيح أيضا ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله عنهما قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007289أقام النبي - صلى الله عليه وسلم - بمكة تسعة عشر يقصر " ، فنحن إذا سافرنا تسعة عشر قصرنا ، وإن زدنا أتممنا ; لأن حديث
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله عنهما في غزوة الفتح ، وحديث
أنس ، في حجة الوداع ، وحديث
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، محمول على
[ ص: 276 ] أنه - صلى الله عليه وسلم - ، ما كان ناويا الإقامة ; والإقامة المجردة عن نية لا تقطع حكم السفر عند الجمهور ، والله تعالى أعلم .
واحتج
أبو حنيفة رحمه الله لأنها نصف شهر ، بما روى
أبو داود من طريق
nindex.php?page=showalam&ids=12563ابن إسحاق ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله عنهما قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007290أقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمكة عام الفتح خمسة عشر ، يقصر الصلاة " وضعف
النووي في الخلاصة ، رواية خمسة عشر .
قال الحافظ
ابن حجر في " الفتح " : وليس بجيد ; لأن رواتها ثقات ، ولم ينفرد
nindex.php?page=showalam&ids=12563ابن إسحاق ، فقد أخرجها
nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي ، من رواية
nindex.php?page=showalam&ids=16560عراك بن مالك ، عن
عبيد الله ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس كذلك ، واختار
أبو حنيفة رواية خمسة عشر ، عن رواية سبعة عشر ، ورواية ثمانية عشر ، ورواية تسعة عشر ; لأنها أقل ما ورد فيحمل غيرها على أنه وقع اتفاقا ، وأرجح الروايات ، وأكثرها ورودا في الروايات الصحيحة رواية تسعة عشر وبها أخذ
nindex.php?page=showalam&ids=12418إسحاق بن راهويه ، وجمع
البيهقي بين الروايات ، بأن من قال : تسعة عشر ، عد يوم الدخول ، ويوم الخروج ، ومن قال : سبع عشرة حذفهما ، ومن قال : ثماني عشرة حذف أحدهما .
أما رواية خمسة عشر ، فالظاهر فيها أن الراوي ظن ، أن الأصل رواية سبعة عشر فحذف منها ، يوم الدخول ، ويوم الخروج ، فصار الباقي خمسة عشر ، واعلم أن
الإقامة المجردة عن النية فيها أقوال للعلماء :
أحدها : أنه يتم بعد أربعة أيام .
والثاني : بعد سبعة عشر يوما .
والثالث : ثمانية عشر .
والرابع : تسعة عشر .
والخامس : عشرين يوما .
والسادس : يقصر أبدا حتى يجمع على الإقامة .
والسابع : للمحارب أن يقصر ، وليس لغيره القصر بعد إقامة أربعة أيام .
وأظهر هذه الأقوال أنه لا يقصر حتى ينوي الإقامة ولو طال مقامه من غير نية الإقامة ، ويدل له قصر النبي - صلى الله عليه وسلم - مدة إقامته في
مكة عام الفتح ، كما ثبت في الصحيح ، وما رواه الإمام
أحمد وأبو داود nindex.php?page=showalam&ids=13053وابن حبان والبيهقي عن
جابر قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007291أقام النبي - صلى الله عليه وسلم - بتبوك عشرين يوما يقصر الصلاة " . وقد صحح هذا الحديث
النووي nindex.php?page=showalam&ids=13064وابن حزم ، وأعله
[ ص: 277 ] nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني في العلل بالإرسال والانقطاع ، وأن
علي بن المبارك وغيره من الحفاظ رووه عن
nindex.php?page=showalam&ids=17298يحيى بن أبي كثير عن
محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان مرسلا ، وأن
nindex.php?page=showalam&ids=13760الأوزاعي رواه عن
يحيى عن
أنس فقال : " بضع عشرة " وبهذا اللفظ أخرجه
البيهقي وهو ضعيف .
قال
البيهقي بعد إخراجه له : ولا أراه محفوظا ، وقد روي من وجه آخر عن
جابر : " بضع عشرة " . اهـ . وقد اختلف فيه على
nindex.php?page=showalam&ids=13760الأوزاعي ذكره
nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني في العلل وقال : الصحيح عن
nindex.php?page=showalam&ids=13760الأوزاعي عن
يحيى أن
أنسا كان يفعله . قال
ابن حجر :
ويحيى لم يسمع من
أنس .
وقال
النووي في " شرح المهذب " : قلت ورواية المسند تفرد بها
nindex.php?page=showalam&ids=17124معمر بن راشد وهو إمام مجمع على جلالته وباقي الإسناد صحيح على شرط
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ومسلم ، فالحديث صحيح ; لأن الصحيح أنه إذا
تعارض في الحديث إرسال وإسناد حكم بالمسند . اهـ . منه وعقده صاحب " المراقي " بقوله : [ الرجز ]
والرفع والوصول وزيد اللفظ مقبولة عند إمام الحفظ
الخ . . .
واستدل أيضا من قال بأن الإقامة المجردة عن النية لا تقطع حكم السفر بما أخرجه
أبو داود nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=40عمران بن حصين رضي الله عنهما قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007292غزوت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - وشهدت معه الفتح فأقام بمكة ثماني عشرة ليلة لا يصلي إلا ركعتين يقول : " يا أهل البلدة صلوا أربعا فإنا سفر " ، فقول النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذا الحديث " فإنا سفر " مع إقامته ثماني عشرة يدل دلالة واضحة على أن
المقيم من غير نية الإقامة يصدق عليه اسم المسافر ، ويؤيده حديث : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007293إنما الأعمال بالنيات " ، وهذا الحديث حسنه
الترمذي ، وفي إسناده
nindex.php?page=showalam&ids=16621علي بن زيد بن جدعان وهو ضعيف .
قال
ابن حجر : وإنما حسن
الترمذي حديثه لشواهده ولم يعتبر الاختلاف في المدة كما علم من عادة المحدثين من اعتبارهم الاتفاق على الأسانيد دون السياق . اهـ .
nindex.php?page=showalam&ids=16621وعلي بن زيد المذكور أخرج له
مسلم مقرونا بغيره .
وقال
الترمذي في حديثه في السفر : حسن صحيح ، وقال : صدوق ربما رفع الموقوف ووثقه
nindex.php?page=showalam&ids=17383يعقوب بن شيبة .
وقال بعض أهل العلم : اختلط في كبره ، وقد روى عنه
شعبة ،
nindex.php?page=showalam&ids=16004والثوري ،
[ ص: 278 ] وعبد الوارث ، وخلق .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني : إنما فيه لين ، والظاهر أن قول
nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني هذا أقرب للصواب فيه ، لكن يتقى منه ما كان بعد الاختلاط . اهـ . إلى غير ذلك من الأدلة على أن الإقامة دون نيتها لا تقطع حكم السفر ، " وقد أقام الصحابة
برامهرمز تسعة أشهر يقصرون الصلاة " . رواه
البيهقي بإسناد صحيح ، وتضعيفه
nindex.php?page=showalam&ids=16585بعكرمة بن عمار مردود بأن
عكرمة المذكور من رجال
مسلم في " صحيحه " .
وقد روى
أحمد في " مسنده " عن
ثمامة بن شراحيل عن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر أنه قال : " كنت
بأذربيجان لا أدري قال : أربعة أشهر أو شهرين فرأيتهم يصلون ركعتين ركعتين " ، وأخرجه
البيهقي .
وقال
ابن حجر في " التلخيص " : إن إسناده صحيح . اهـ .
ومذهب
مالك الفرق بين العسكر بدار الحرب فلا يقصر وبين غيره فيقصر بنية إقامة أربعة أيام صحاح .