قوله تعالى : يوم نقول لجهنم هل امتلأت وتقول هل من مزيد .
قرأ هذا الحرف عامة السبعة غير
نافع وشعبة عن
عاصم يوم نقول بالنون الدالة على العظمة . وقرأه
نافع وشعبة " يوم يقول " بالياء ، وعلى قراءتهما فالفاعل ضمير يعود إلى الله ، واعلم أن الاستفهام في قوله :
هل من مزيد فيه للعلماء قولان معروفان : الأول : أن الاستفهام إنكاري كقوله تعالى :
هل يهلك إلا القوم الظالمون [ 6 \ 47 ] ، أي ما يهلك إلا القوم الظالمون ، وعلى هذا فمعنى
هل من مزيد لا محل للزيادة لشدة امتلاء النار ، واستدل بعضهم لهذا الوجه بآيات من كتاب الله كقوله تعالى :
ولكن حق القول مني لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين [ 32 \ 13 ] ، وقوله تعالى :
[ ص: 430 ] وتمت كلمة ربك لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين [ 11 \ 119 ] ،
قال فالحق والحق أقول لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين [ 38 \ 84 - 85 ] ، وقد قدمنا الآيات الموضحة لهذا في سورة " يس " في الكلام على قوله تعالى :
لقد حق القول على أكثرهم [ 36 \ 7 ] ، لأن إقسامه تعالى في هذه الآية المدلول عليه بلام التوطئة في " لأملأن " على أنه يملأ جهنم من الجنة والناس - دليل على أنها لا بد أن تمتلئ ، ولذا قالوا : إن معنى
هل من مزيد لا مزيد ، لأني قد امتلأت فليس في محل للمزيد .
وأما القول الآخر ، فهو أن المراد بالاستفهام في قول النار : هل من مزيد ؟ هو طلبها للزيادة ، وأنها لا تزال كذلك حتى يضع رب العزة فيها قدمه فينزوي بعضها إلى بعض ، وتقول : قط قط أي كفاني قد امتلأت ، وهذا الأخير هو الأصح ، ولما ثبت في الصحيحين ، وغيرهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009465إن جهنم لا تزال تقول : هل من مزيد ، حتى يضع رب العزة فيها قدمه فينزوي بعضها إلى بعض وتقول قط قط " ، لأن في هذا الحديث المتفق عليه التصريح بقولها : قط قط ، أي كفاني قد امتلأت ، وأن قولها قبل ذلك : هل من مزيد لطلب الزيادة ، وهذا الحديث الصحيح من أحاديث الصفات ، وقد قدمنا الكلام عليها مستوفى في سورة الأعراف والقتال . واعلم أن قول النار في هذه الآية : هل من مزيد - قول حقيقي ينطقها الله به ، فزعم بعض أهل العلم أنه كقول الحوض :
امتلأ الحوض فقال قطني مهلا رويدا قد ملأت بطني
وإن المراد بقولها ذلك هو ما يفهم من حالها خلاف التحقيق ، وقد أوضحنا ذلك بأدلته في سورة الفرقان في الكلام على قوله تعالى :
إذا رأتهم من مكان بعيد سمعوا لها تغيظا وزفيرا [ 25 \ 12 ] ، والعلم عند الله تعالى .