قوله تعالى :
إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا ذكر في هذه الآية الكريمة أن الصلاة كانت ولم تزل على المؤمنين كتابا ، أي : شيئا مكتوبا عليهم واجبا حتما موقوتا ، أي : له أوقات يجب بدخولها ولم يشر هنا إلى تلك الأوقات ، ولكنه أشار لها في مواضع أخر كقوله :
أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا [ 17 \ 78 ] ، فأشار بقوله :
لدلوك الشمس وهو زوالها عن كبد السماء على التحقيق إلى صلاة الظهر والعصر ; وأشار بقوله :
إلى غسق الليل وهو ظلامه إلى صلاة المغرب والعشاء ; وأشار بقوله :
[ ص: 280 ] وقرآن الفجر إلى صلاة الصبح ، وعبر عنها بالقرآن بمعنى القراءة ; لأنها ركن فيها من التعبير عن الشيء باسم بعضه .
وهذا البيان أوضحته السنة إيضاحا كليا ، ومن الآيات التي أشير فيها إلى أوقات الصلاة كما قاله جماعة من العلماء ، قوله تعالى :
فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون وله الحمد في السماوات والأرض وعشيا وحين تظهرون [ 30 \ 17 ، 18 ] ، قالوا : المراد بالتسبيح في هذه الآية الصلاة ، وأشار بقوله :
حين تمسون إلى صلاة المغرب والعشاء ، وبقوله :
وحين تصبحون إلى صلاة الصبح ، وبقوله : وعشيا إلى صلاة العصر ، وبقوله :
وحين تظهرون إلى صلاة الظهر . وقوله تعالى :
وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل [ 11 \ 114 ] ، وأقرب الأقوال في الآية أنه أشار بطرفي النهار إلى صلاة الصبح أوله وصلاة الظهر والعصر آخره أي : في النصف الأخير منه وأشار بزلف من الليل إلى صلاة المغرب والعشاء .
وقال
ابن كثير : يحتمل أن الآية نزلت قبل فرض الصلوات الخمس ، وكان الواجب قبلها صلاتان : صلاة قبل طلوع الشمس ، وصلاة قبل غروبها ، وقيام الليل ، ثم نسخ ذلك بالصلوات الخمس ، وعلى هذا فالمراد بطرفي النهار بالصلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها ، والمراد بزلف من الليل قيام الليل .
قال مقيده - عفا الله عنه - : الظاهر أن هذا الاحتمال الذي ذكره الحافظ
ابن كثير - رحمه الله - بعيد ; لأن الآية نزلت في
أبي اليسر في
المدينة بعد فرض الصلوات بزمن فهي على التحقيق مشيرة لأوقات الصلاة ، وهي آية
مدنية في سورة مكية وهذه تفاصيل أوقات الصلاة بأدلتها المبينة لها من السنة ، ولا يخفى أن لكل وقت منها أولا وآخرا ، أما
أول وقت الظهر فهو زوال الشمس عن كبد السماء بالكتاب والسنة والإجماع ، أما الكتاب فقوله تعالى :
أقم الصلاة لدلوك الشمس ، فاللام للتوقيت ودلوك الشمس زوالها عن كبد السماء على التحقيق .
وأما السنة فمنها حديث
nindex.php?page=showalam&ids=88أبي برزة الأسلمي عند الشيخين :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007296كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلي الهجير التي تدعونها الأولى حين تدحض الشمس . . . الحديث ، ومعنى تدحض : تزول عن كبد السماء .
وفي رواية
لمسلم : حين تزول ، وفي " الصحيحين " عن
جابر رضي الله عنه :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007297كان [ ص: 281 ] النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلي الظهر بالهاجرة ، وفي " الصحيحين " من حديث
أنس رضي الله عنه أنه
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007298خرج حين زاغت الشمس فصلى الظهر ، وفي حديث
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007299 " أمني جبريل عند باب البيت مرتين فصلى بي الظهر حين زالت الشمس " الحديث ، أخرجه الإمامان
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي وأحمد ،
وأبو داود nindex.php?page=showalam&ids=13114وابن خزيمة nindex.php?page=showalam&ids=14269والدارقطني والحاكم في " المستدرك " ، وقال : حديث صحيح .
وقال
الترمذي : حديث حسن ، فإن قيل في إسناده
عبد الرحمن بن الحارث بن عياش بن أبي ربيعة ،
nindex.php?page=showalam&ids=12458وعبد الرحمن بن أبي الزناد ،
وحكيم بن حكيم بن عباد بن حنيف وكلهم مختلف فيهم ، فالجواب : أنهم توبعوا فيه فقد أخرجه
عبد الرزاق عن
العمري عن
عمر بن نافع بن جبير بن مطعم عن أبيه عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس نحوه .
قال
ابن دقيق العيد : هي متابعة حسنة ، وصححه
ابن العربي ،
nindex.php?page=showalam&ids=13332وابن عبد البر ، مع أن بعض رواياته ليس في إسنادها
nindex.php?page=showalam&ids=12458عبد الرحمن بن أبي الزناد بل سفيان ، عن
عبد الرحمن بن الحارث المذكور ، عن
حكيم بن حكيم المذكور ، فتسلم هذه الرواية من التضعيف
nindex.php?page=showalam&ids=12458بعبد الرحمن بن أبي الزناد ، ومن هذه الطريق أخرجه
nindex.php?page=showalam&ids=13332ابن عبد البر ، وقال : إن الكلام في إسناده لا وجه له ، وكذلك أخرجه من هذا الوجه
أبو داود ،
nindex.php?page=showalam&ids=13114وابن خزيمة ،
والبيهقي ، وعن
nindex.php?page=showalam&ids=36جابر بن عبد الله رضي الله عنهما
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007300أن النبي - صلى الله عليه وسلم - " جاءه جبريل ، عليه السلام ، فقال له : " قم فصله " ، فصلى الظهر حين زالت الشمس " الحديث ، أخرجه
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد ،
nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي ،
nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي ،
nindex.php?page=showalam&ids=13053وابن حبان ،
والحاكم .
وقال
الترمذي : قال
nindex.php?page=showalam&ids=12070محمد : يعني البخاري ، حديث
جابر ، أصح شيء في المواقيت .
قال
عبد الحق : يعني في إمامة
جبريل ، وهو ظاهر ، وعن
بريدة رضي الله عنه
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007301أن النبي - صلى الله عليه وسلم - " سأله رجل عن وقت الصلاة ، فقال : " صل معنا هذين اليومين " ، فلما زالت الشمس أمر بلالا رضي الله عنه فأذن ثم أمره فأقام الظهر " . الحديث أخرجه
مسلم في " صحيحه " ، وعن
nindex.php?page=showalam&ids=110أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007302أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أتاه سائل يسأله عن مواقيت الصلاة ، إلى أن قال : ثم أمره ، فأقام بالظهر حين زالت الشمس ، والقائل يقول : قد انتصف النهار ، وهو كان أعلم منهم " الحديث ، رواه
مسلم أيضا ، والأحاديث في الباب كثيرة جدا .
وأما الإجماع ، فقد أجمع جميع المسلمين على أن أول وقت صلاة الظهر هو زوال
[ ص: 282 ] الشمس عن كبد السماء ، كما هو ضروري من دين الإسلام .