[ ص: 451 ] بسم الله الرحمن الرحيم .
سورة الطور .
قوله تعالى :
والطور وكتاب مسطور في رق منشور والبيت المعمور والسقف المرفوع والبحر المسجور إن عذاب ربك لواقع ما له من دافع .
هذه
الأقسام التي أقسم الله بها تعالى في أول هذه السورة الكريمة أقسم ببعضها بخصوصه ، وأقسم بجميعها في آية عامة لها ولغيرها .
أما الذي أقسم منها إقساما خاصا فهو الطور ، والكتاب المسطور ، والسقف المرفوع ، والأظهر أن الطور الجبل الذي كلم الله عليه
موسى ، وقد أقسم الله تعالى بالطور في قوله :
والتين والزيتون وطور سينين [ 95 \ 21 ] .
والأظهر أن الكتاب المسطور هو القرآن العظيم ، وقد أكثر الله من الإقسام به في كتابه كقوله تعالى :
حم والكتاب المبين [ 43 \ 1 - 2 ] ، [ 44 \ 1 - 2 ] ، وقوله تعالى :
يس والقرآن الحكيم [ 36 \ 1 - 2 ] ، وقيل : هو كتاب الأعمال ، وقيل : غير ذلك .
والسقف المرفوع : هو السماء ، وقد أقسم الله بها في كتابه في آيات متعددة كقوله :
والسماء ذات الحبك [ 51 \ 7 ] ، وقوله :
والسماء ذات البروج [ 85 \ 1 ] ، وقوله تعالى :
والسماء وما بناها [ 91 \ 5 ] ، والرق بفتح الراء كل ما يكتب فيه من صحيفة وغيرها ، وقيل هو الجلد المرقق ليكتب فيه ، وقوله :
منشور أي مبسوط ، ومنه قوله :
كتابا يلقاه منشورا [ 17 \ 13 ] ، وقوله :
بل يريد كل امرئ منهم أن يؤتى صحفا منشرة [ 74 \ 52 ] .
والبيت المعمور : هو البيت المعروف في السماء المسمى بالضراح بضم الضاد ، وقيل فيه معمور ، لكثرة ما يغشاه من الملائكة المتعبدين ، فقد جاء الحديث : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009466أنه يزوره كل يوم سبعون ألف ملك ، ولا يعودون إليه بعدها " .
[ ص: 452 ] وقوله :
والبحر المسجور فيه وجهان من التفسير للعلماء . أحدهما أن المسجور هو الموقد نارا ، قالوا : وسيضطرم البحر يوم القيامة نارا ، من هذا المعنى قوله تعالى :
ثم في النار يسجرون [ 40 \ 72 ] .
الوجه الثاني : هو أن المسجور بمعنى المملوء ، لأنه مملوء ماء ، ومن إطلاق المسجور على المملوء قول
لبيد بن ربيعة في معلقته :
فتوسطا عرض السري وصدعا مسجورة متجاورا قلامها
فقوله : مسجورة أي عينا مملوءة ماء ، وقول
النمر بن تولب العكلي :
إذا شاء طالع مسجورة ترى حولها النبع والساسما
وهذان الوجهان المذكوران في معنى المسجور هما أيضا في قوله :
وإذا البحار سجرت [ 81 \ 6 ] ، وأما الآية العامة التي أقسم فيها تعالى بما يشمل جميع هذه الأقسام وغيرها ، فهي قوله تعالى :
فلا أقسم بما تبصرون وما لا تبصرون [ 69 \ 38 - 39 ] ، لأن الإقسام في هذه الآية عام في كل شيء .
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة :
إن عذاب ربك لواقع ، قد قدمنا الآيات الموضحة له في أول الذاريات ، وفي غير ذلك من المواضع .