قوله تعالى : وأنه خلق الزوجين الذكر والأنثى من نطفة إذا تمنى .
ذكر - جل وعلا - في هذه الآية الكريمة أنه خلق الزوجين أي النوعين الذكر والأنثى من نطفة ، وهي نطفة المني إذا تمنى أي تصب وتراق في الرحم ، على أصح القولين .
ويدل قوله تعالى :
أفرأيتم ما تمنون أأنتم تخلقونه أم نحن الخالقون [ 56 \ 58 - 59 ] ، وقوله تعالى :
ألم يك نطفة من مني يمنى [ 75 \ 37 ] .
والعرب تقول : أمنى الرجل ومني ؛ إذا أراق المني وصبه .
وقال بعض العلماء :
من نطفة إذا تمنى أي تقدر بأن يكون الله قدر أن ينشأ منها حمل ، من قول العرب : مني الماني إذا قدر . ومن هذا المعنى قول
أبي قلابة الهذلي ، وقيل
سويد بن عامر المصطلقي :
لا تأمن الموت في حل وفي حرم إن المنايا توافي كل إنسان واسلك سبيلك فيها غير محتشم
حتى تلاقي ما يمني لك الماني
[ ص: 473 ] وقد قدمنا الكلام على النطفة مستوفى من جهات في سورة النحل في الكلام على قوله تعالى :
خلق الإنسان من نطفة الآية [ 16 \ 4 ] . وفي سورة الحج في الكلام على قوله تعالى :
ياأيها الناس إن كنتم في ريب من البعث [ 22 \ 5 ] ، وفي كل من الموضعين زيادة ليست في الآخر .
وما تضمنته هذه الآية الكريمة من
الاستدلال بخلق النوعين ، أعني الذكر والأنثى من النطفة جاء موضحا في غير هذا الموضع ، وأنه يستدل به على أمرين : هما قدرة الله على البعث ، وأنه ما خلق الإنسان إلا ليكلفه ويجازيه ، وقد جمع الأمرين قوله تعالى :
أيحسب الإنسان أن يترك سدى ألم يك نطفة من مني يمنى ثم كان علقة فخلق فسوى فجعل منه الزوجين الذكر والأنثى أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى [ 57 \ 36 - 40 ] ، فذكر دلالة ذلك على البعث في قوله :
أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى ، وذكر أنه ما خلقه ليهمله من التكليف والجزاء ، منكرا على من ظن ذلك بقوله :
أيحسب الإنسان أن يترك سدى أي مهملا من التكليف والجزاء .
وقد قدمنا بعض الكلام على هذا في سورة الفرقان في الكلام على قوله تعالى :
وهو الذي خلق من الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا وكان ربك قديرا [ 25 \ 54 ] .