تنبيه
قد اتضح من هذه الأدلة التي سقناها ، أن
الظهر لا يمتد لها وقت إلى الغروب ، وأن
المغرب لا يمتد لها وقت إلى الفجر ، ولكن يتعين حمل هذا الوقت المنفي بالأدلة
[ ص: 292 ] على الوقت الاختياري ، فلا ينافي امتداد وقت الظهر الضروري إلى الغروب ، ووقت المغرب الضروري إلى الفجر ، كما قاله
مالك رحمه الله لقيام الأدلة على اشتراك الظهر والعصر في الوقت عند الضرورة ، وكذلك المغرب والعشاء ، وأوضح دليل على ذلك جواز كل من
جمع التقديم ، وجمع التأخير في السفر ، فصلاة العصر مع الظهر عند زوال الشمس دليل على اشتراكها مع الظهر في وقتها عند الضرورة ، وصلاة الظهر بعد خروج وقتها في وقت العصر في جمع التأخير دليل على اشتراكها معها في وقتها عند الضرورة أيضا ، وكذلك المغرب والعشاء ، أما جمع التأخير بحيث يصلي الظهر في وقت العصر والمغرب في وقت العشاء ، فهو ثابت في الروايات المتفق عليها . فقد أخرج
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري في " صحيحه " من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=9أنس بن مالك رضي الله عنه قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007332كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس ، أخر الظهر إلى وقت العصر ، ثم يجمع بينهما " .
قال
ابن حجر في شرحه لهذا الحديث قوله : ثم يجمع بينهما ، أي : في وقت العصر ، وفي رواية
قتيبة عن
المفضل في الباب الذي بعده " ثم نزل فجمع بينهما " ،
ولمسلم من رواية
جابر بن إسماعيل ، عن
عقيل : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007333يؤخر الظهر إلى وقت العصر ، فيجمع بينهما ، ويؤخر المغرب حتى يجمع بينها وبين العشاء حين يغيب الشفق " وله من رواية شبابة ، عن
عقيل : " حتى يدخل أول وقت العصر ، ثم يجمع بينهما " . اهـ . منه بلفظه .
وفي " الصحيحين " من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007334كان إذا جد به السير جمع بين المغرب والعشاء " ، ولا يمكن حمل هذا الجمع على الجمع الصوري ; لأن الروايات الصحيحة التي ذكرنا آنفا فيها التصريح بأنه صلى الظهر في وقت العصر ، والمغرب بعد غيبوبة الشفق .
وقال
البيهقي في " السنن الكبرى " : اتفقت رواية
nindex.php?page=showalam&ids=17314يحيى بن سعيد الأنصاري ،
nindex.php?page=showalam&ids=17177وموسى بن عقبة ،
nindex.php?page=showalam&ids=16524وعبيد الله بن عمر ،
nindex.php?page=showalam&ids=12341وأيوب السختياني ،
وعمر بن محمد بن زيد ، عن
نافع ، على أن جمع
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر بين الصلاتين كان بعد غيبوبة الشفق ، وخالفهم من لا يدانيهم في حفظ أحاديث
نافع ، ثم قال بعد هذا بقليل ، ورواية الحفاظ من أصحاب
نافع أولى بالصواب ، فقد رواه
nindex.php?page=showalam&ids=15959سالم بن عبد الله ،
nindex.php?page=showalam&ids=12313وأسلم مولى عمر nindex.php?page=showalam&ids=16430وعبد الله بن دينار ،
وإسماعيل بن عبد الرحمن بن أبي ذؤيب ، وقيل
ابن ذؤيب عن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر نحو روايتهم ، ثم ساق
البيهقي أسانيد رواياتهم ، وأما جمع التقديم بحيث يصلي العصر عند زوال الشمس مع الظهر في أول وقتها ، والعشاء مع المغرب عند غروب الشمس في أول وقتها ، فهو
[ ص: 293 ] ثابت أيضا عنه - صلى الله عليه وسلم - وإن أنكره من أنكره من العلماء ، وحاول تضعيف أحاديثه ، فقد جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فيه أحاديث منها ما هو صحيح ، ومنها ما هو حسن .
فمن ذلك ما أخرجه
مسلم في صحيحه من حديث
جابر الطويل في الحج "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007335ثم أذن ، ثم أقام فصلى الظهر ، ثم أقام فصلى العصر ، ولم يصل بينهما شيئا " ، وكان ذلك بعد الزوال ، فهذا حديث صحيح فيه التصريح بأنه صلى العصر مقدمة مع الظهر بعد الزوال .
وقد روى
أبو داود ،
وأحمد ،
nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي ، وقال : حسن غريب ،
nindex.php?page=showalam&ids=13053وابن حبان ،
nindex.php?page=showalam&ids=14269والدارقطني ،
والبيهقي ،
والحاكم عن
معاذ رضي الله عنه
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007336أن النبي - صلى الله عليه وسلم - " كان في غزوة تبوك إذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس أخر الظهر حتى يجمعها إلى العصر يصليهما جميعا ، وإذا ارتحل بعد زيغ الشمس صلى الظهر والعصر جميعا ، ثم سار ، وكان إذا ارتحل قبل المغرب أخر المغرب حتى يصليها مع العشاء ، وإذا ارتحل بعد المغرب عجل العشاء ، فصلاها مع المغرب " ، وإبطال جمع التقديم بتضعيف هذا الحديث ، كما حاوله
الحاكم ،
nindex.php?page=showalam&ids=13064وابن حزم لا عبرة به لما رأيت آنفا من أن جمع التقديم ، أخرجه
مسلم في صحيحه من حديث جابر الطويل ، وعن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007337أنه كان في السفر إذا زاغت الشمس في منزله جمع بين الظهر والعصر قبل أن يركب ، فإذا لم تزغ له في منزله سار حتى إذا حانت العصر نزل فجمع بين الظهر والعصر ، وإذا حانت المغرب في منزله جمع بينها وبين العشاء ، وإذا لم تحن في منزله ركب حتى إذا كانت العشاء نزل فجمع بينهما " رواه
أحمد ، ورواه
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي في مسنده بنحوه ، وقال فيه : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007338إذا سار قبل أن تزول الشمس أخر الظهر حتى يجمع بينها وبين العصر في وقت العصر " ورواه
البيهقي ،
nindex.php?page=showalam&ids=14269والدارقطني ، وروي عن
الترمذي أنه حسنه .
فإن قيل : حديث
معاذ معلول بتفرد
قتيبة فيه ، عن الحفاظ ، وبأنه معنعن
nindex.php?page=showalam&ids=17346بيزيد بن أبي حبيب ، عن
أبي الطفيل ، ولا يعرف له منه سماع ، كما قاله
nindex.php?page=showalam&ids=13064ابن حزم ، وبأن في إسناده
أبا الطفيل وهو مقدوح فيه بأنه كان حامل راية
nindex.php?page=showalam&ids=8494المختار بن أبي عبيد ، وهو يؤمن بالرجعة ، وبأن
الحاكم قال : هو موضوع ، وبأن
أبا داود قال : ليس في جمع التقديم حديث قائم ، وحديث
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس في إسناده
حسين بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس بن عبد المطلب وهو ضعيف ، فالجواب أن إعلاله بتفرد
قتيبة به مردود من وجهين :
الأول : أن
nindex.php?page=showalam&ids=16818قتيبة بن سعيد رحمه الله تعالى بالمكانة المعروفة له من العدالة
[ ص: 294 ] والضبط والإتقان ، وهذا الذي رواه لم يخالف فيه غيره ، بل زاد ما لم يذكره غيره ، ومن حفظ حجة على من لم يحفظ ، وقد تقرر في علم الحديث أن
زيادات العدول مقبولة لا سيما وهذه الزيادة التي هي جمع التقديم ، تقدم ثبوتها في صحيح
مسلم من حديث
جابر ، وسيأتي إن شاء الله أيضا أنها صحت من حديث
أنس .
الوجه الثاني : أن
قتيبة لم يتفرد به بل تابعه فيه
nindex.php?page=showalam&ids=15294المفضل بن فضالة ، قال
ابن القيم في " زاد المعاد " ما نصه : فإن
أبا داود رواه عن
يزيد بن خالد بن عبد الله بن موهب الرملي ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=15294المفضل بن فضالة ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=15124الليث بن سعد ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=17241هشام بن سعد ، عن
أبي الزبير ، عن
أبي الطفيل ، عن
معاذ فذكره ، فهذا
المفضل قد تابع
قتيبة ، وإن كان
قتيبة أجل من
المفضل ، وأحفظ لكن زال تفرد
قتيبة به اهـ . منه بلفظه .
ورواه
البيهقي في " السنن الكبرى " ، قال : أخبرنا
أبو علي الروذباري ، أنبأنا
nindex.php?page=showalam&ids=13136أبو بكر بن داسة ، حدثنا
أبو داود ، ثم ساق السند المتقدم آنفا ، أعني سند
أبي داود الذي ساقه
ابن القيم ، والمتن فيه التصريح بجمع التقديم ، وكذلك رواه
nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي nindex.php?page=showalam&ids=14269والدارقطني ، كما قاله
ابن حجر في " التلخيص " ، فاتضح أن
قتيبة لم يتفرد بهذا الحديث ; لأن
أبا داود nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي nindex.php?page=showalam&ids=14269والدارقطني والبيهقي ، أخرجوه من طريق أخرى متابعة لرواية
قتيبة .
وقال
ابن حجر في " التخليص " : إن في سند هذه الطريق
nindex.php?page=showalam&ids=17241هشام بن سعد وهو لين الحديث .
قال مقيده - عفا الله عنه - :
nindex.php?page=showalam&ids=17241هشام بن سعد المذكور من رجال
مسلم وأخرج له
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري تعليقا وبه تعلم صحة طريق
المفضل المتابعة لطريق
قتيبة ، ولذا قال
البيهقي في " السنن الكبرى " قال الشيخ ، وإنما أنكروا من هذا رواية
nindex.php?page=showalam&ids=17346يزيد بن أبي حبيب عن
أبي الطفيل ، فأما رواية
أبي الزبير عن
أبي الطفيل ، فهي محفوظة صحيحة ، واعلم أنه لا يخفى أن ما يروى عن
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري رحمه الله من أنه سأل
قتيبة عمن كتب معه هذا الحديث عن
nindex.php?page=showalam&ids=15124الليث بن سعد فقال : كتبه معي
خالد المدائني ، فقال
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري : كان
خالد المدائني يدخل على الشيوخ يعني ، يدخل في روايتهم ما ليس منها ، أنه لا يظهر كونه قادحا في رواية
قتيبة ; لأن العدل الضابط لا يضره أخذ آلاف الكذابين معه ; لأنه إنما يحدث بما علمه ولا يضره كذب غيره كما هو ظاهر .
والجواب عما قاله
nindex.php?page=showalam&ids=13064ابن حزم من أنه معنعن
nindex.php?page=showalam&ids=17346بيزيد بن أبي حبيب عن
أبي الطفيل ولا
[ ص: 295 ] يعرف له منه سماع من وجهين :
الأول : أن العنعنة ونحوها لها حكم التصريح بالتحديث عند المحدثين إلا إذا كان المعنعن مدلسا ،
nindex.php?page=showalam&ids=17346ويزيد بن أبي حبيب : قال فيه
الذهبي في " تذكرة الحفاظ " كان حجة حافظا للحديث وذكر من جملة من روى عنهم
أبا الطفيل المذكور ، وقال فيه
ابن حجر في " التقريب " : ثقة فقيه ، وكان يرسل ومعلوم أن الإرسال غير التدليس ; لأن الإرسال في اصطلاح المحدثين هو رفع التابعي مطلقا أو الكبير خاصة الحديث إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وقيل إسقاط راو مطلقا ، وهو قول الأصوليين فالإرسال مقطوع فيه بحذف الواسطة بخلاف التدليس ، فإن تدليس الإسناد يحذف فيه الراوي شيخه المباشر له ويسند إلى شيخ شيخه المعاصر بلفظ محتمل للسماع مباشرة وبواسطة ، نحو عن فلان وقال فلان فلا يقطع فيه بنفي الواسطة بل هو يوهم الاتصال ; لأنه لا بد فيه من معاصرة من أسند إليه أعني : شيخ شيخه ، وإلا كان منقطعا كما هو معروف في علوم الحديث وقول
nindex.php?page=showalam&ids=13064ابن حزم لم يعرف له منه سماع ليس بقادح ; لأن المعاصرة تكفي ولا يشترط ثبوت اللقى وأحرى ثبوت السماع
nindex.php?page=showalam&ids=17080فمسلم بن الحجاج لا يشترط في " صحيحه " إلا المعاصرة فلا يشترط اللقى وأحرى السماع وإنما اشترط اللقى
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ، قال
العراقي في " ألفيته " : [ الرجز ]
وصححوا وصل معنعن سلم من دلسة راويه واللقا علم وبعضهم حكى بذا إجماعا
ومسلم لم يشرط اجتماعا
لكن تعاصروا . . . إلخ