[ ص: 488 ] بسم الله الرحمن الرحيم .
سورة الرحمن .
قوله تعالى :
الرحمن علم القرآن .
قال بعض أهل العلم : نزلت هذه الآية لما تجاهل الكفار الرحمن - جل وعلا - كما ذكره الله عنهم في قوله تعالى :
وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمن قالوا وما الرحمن [ 25 \ 60 ] ، كما تقدم في الفرقان .
وقد قدمنا معنى الرحمن وأدلته من الآيات في أول سورة الفاتحة .
قوله تعالى : علم القرآن . أي علم نبيه - صلى الله عليه وسلم - القرآن فتلقته أمته عنه ، وهذه الآية الكريمة تتضمن رد الله على الكفار في قولهم : إنه تعلم هذا القرآن من بشر كما تقدم في قوله :
ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشر [ 16 \ 10 3 ] ، وقوله تعالى :
فقال إن هذا إلا سحر يؤثر [ 74 \ 24 ] ، أي يرويه
محمد عن غيره .
وقوله تعالى :
وقال الذين كفروا إن هذا إلا إفك افتراه وأعانه عليه قوم آخرون فقد جاءوا ظلما وزورا وقالوا أساطير الأولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلا [ 25 \ 4 - 5 ] .
فقوله تعالى هنا
الرحمن علم القرآن أي ليس الأمر كما ذكرتم من أنه تعلم القرآن من بشر ، بل الرحمن - جل وعلا - هو الذي علمه إياه ، والآيات الدالة على هذا كثيرة جدا ، كقوله تعالى :
قل أنزله الذي يعلم السر في السماوات والأرض [ 25 \ 6 ] ، وقوله تعالى :
الر كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير [ 11 \ 1 ] ، وقوله تعالى :
حم تنزيل من الرحمن الرحيم كتاب فصلت آياته قرآنا عربيا لقوم يعلمون بشيرا ونذيرا [ 41 \ 1 - 4 ] ، وقوله تعالى :
[ ص: 489 ] ولقد جئناهم بكتاب فصلناه على علم هدى ورحمة لقوم يؤمنون [ 7 \ 52 ] ، وقوله تعالى :
وكذلك أنزلناه قرآنا عربيا وصرفنا فيه من الوعيد لعلهم يتقون أو يحدث لهم ذكرا [ 20 \ 113 ] ، وقوله تعالى :
ولا يأتونك بمثل إلا جئناك بالحق وأحسن تفسيرا [ 25 \ 33 ] ، وقوله تعالى :
إن علينا جمعه وقرآنه فإذا قرأناه فاتبع قرآنه ثم إن علينا بيانه [ 75 \ 17 - 19 ] ، وقوله تعالى :
وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا [ 42 \ 52 ] ، وقوله تعالى :
نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك هذا القرآن وإن كنت من قبله لمن الغافلين [ 12 \ 3 ] ، وقوله تعالى :
وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيما [ 4 \ 113 ] ، ومن أعظم ذلك هذا القرآن العظيم ، وقوله تعالى :
شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان [ 2 \ 185 ] .
وتعليمه - جل وعلا - هذا القرآن العظيم ، قد بين في مواضع أخر أنه من أعظم نعمه كما قال تعالى :
ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا إلى قوله تعالى :
ذلك هو الفضل الكبير [ 35 \ 32 ] .
وقد علم الله تعالى الناس أن يحمدوه على هذه النعمة العظمى التي هي إنزال القرآن ، وذلك في قوله تعالى :
الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا [ 18 \ 1 ] ، وبين أن إنزاله رحمة منه لخلقه - جل وعلا - في آيات من كتابه كقوله تعالى :
وما كنت ترجو أن يلقى إليك الكتاب إلا رحمة من ربك [ 28 \ 86 ] ، وقوله :
إنا كنا مرسلين رحمة من ربك [ 44 \ 5 - 6 ] ، وقد بينا الآيات الموضحة لذلك في الكهف والزخرف .
علم القرآن حذف فيه أحد المفعولين ، والتحقيق أن المحذوف هو الأول لا الثاني ، كما ظنه الفخر الرازي ، وقد رده عليه
أبو حيان ، والصواب هو ما ذكره ، من أن المحذوف الأول ، وتقديره : علم النبي - صلى الله عليه وسلم - وقيل :
جبريل ، وقيل : الإنسان .