قوله تعالى : إنا أنشأناهن إنشاء فجعلناهن أبكارا عربا أترابا لأصحاب اليمين .
الضمير في أنشأناهن قال بعض أهل العلم : هو راجع إلى مذكور ، وقال بعض العلماء : هو راجع إلى غير مذكور ، إلا أنه دل عليه المقام .
فمن قال إنه راجع إلى مذكور ، قال : هو راجع إلى قوله :
وفرش مرفوعة قال : لأن المراد بالفرش النساء ، والعرب تسمي المرأة لباسا وإزارا وفراشا ونعلا . وعلى هذا فالمراد بالرفع في قوله : مرفوعة رفع المنزلة والمكانة .
ومن قال : إنه راجع إلى غير مذكور ، قال : إنه راجع إلى نساء لم يذكرن ، ولكن ذكر الفرش دل عليهن ; لأنهن يتكئن عليها مع أزواجهن .
وقال بعض العلماء : المراد بهن الحور العين ، واستدل من قال ذلك بقوله :
إنا أنشأناهن إنشاء لأن الإنشاء هو الاختراع والابتداع .
وقالت جماعة من أهل العلم : إن المراد بهن بنات آدم التي كن في الدنيا عجائز شمطا رمصا ، وجاءت في ذلك آثار مرفوعة عنه - صلى الله عليه وسلم - وعلى هذا القول : فمعنى
أنشأناهن إنشاء أي خلقناهن خلقا جديدا .
وقوله تعالى : فجعلناهن أي فصيرناهن أبكارا ، وهو جمع بكر ، وهو ضد الثيب .
وقوله : عربا قرأه عامة القراء السبعة غير
حمزة وشعبة عن
عاصم عربا
[ ص: 520 ] بضم العين والراء ، وقرأ
حمزة وشعبة " عربا " بسكون الراء ، وهي لغة
تميم ، ومعنى القراءتين واحد ، وهو جمع عروب ، وهي المتحببة إلى زوجها الحسنة التبعل ، وهذا هو قول الجمهور . وهو الصواب إن شاء الله .
ومنه قول
لبيد :
وفي الخباء عروب غير فاحشة ريا الروادف يعشى دونها البصر
وقوله تعالى : أترابا جمع ترب بكسر التاء ، والترب اللدة ، وإيضاحه أن ترب الإنسان ما ولد معه في وقت واحد ، ومعناه في الآية : أن
نساء أهل الجنة على سن واحدة ليس فيهن شابة وعجوز ، ولكنهن كلهن على سن واحدة في غاية الشباب .
وبعض العلماء يقول : إنهن ينشأن مستويات في السن على قدر بنات ثلاثة وثلاثين سنة ، وجاءت بذلك آثار مروية عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وكون الأتراب بمعنى المستويات في السن مشهور في كلام العرب .
ومنه قول
nindex.php?page=showalam&ids=16674عمر بن أبي ربيعة :
أبرزوها مثل المهاة تهادى بين خمس كواعب أتراب
وهذه الأوصاف الثلاثة التي تضمنتها هذه الآية الكريمة من صفات نساء أهل الجنة - جاءت موضحة في آيات أخر .
أما كونهن يوم القيامة أبكارا ، فقد أوضحه في سورة الرحمن في قوله تعالى :
لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان [ 55 \ 56 ، 74 ] ، في الموضعين ; لأن قوله :
لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان نص في عدم زوال بكارتهن ، وأما كونهن عربا أي متحببات إلى أزواجهن ، فقد دل عليه قوله في الصافات :
وعندهم قاصرات الطرف عين [ 37 \ 48 ] ، لأن معناه أنهن قاصرات العيون على أزواجهن لا ينظرن إلى غيرهم لشدة محبتهن لهم واقتناعهن بهم ، كما قدمنا إيضاحه ، ولا شك أن المرأة التي لا تنظر إلى غير زوجها متحببة إليه حسنة التبعل معه .
وقوله في " ص " :
وعندهم قاصرات الطرف أتراب [ 38 \ 52 ] ، وقوله في الرحمن :
فيهن قاصرات الطرف لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان [ 55 \ 56 ] ،
[ ص: 521 ] وأما كونهن أترابا فقد بينه تعالى في قوله في آية " ص " هذه :
وعندهم قاصرات الطرف أتراب ، وفي سورة النبأ في قوله تعالى :
إن للمتقين مفازا حدائق وأعنابا وكواعب أترابا [ 78 \ 31 - 33 ] .
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة :
لأصحاب اليمين يتعلق بقوله :
إنا أنشأناهن . وقوله :
فجعلناهن أي : أنشأناهن وصيرناهن أبكارا لأصحاب اليمين .