قوله تعالى :
إن هذا لهو حق اليقين فسبح باسم ربك العظيم .
أخبر الله تعالى في هذه الآية الكريمة ، وأكد إخباره بأن هذا القرآن العظيم هو حق اليقين ، وأمر نبيه بعد ذلك بأن يسبح باسم ربه العظيم .
وهذا الذي تضمنته هذه الآية ذكره الله - جل وعلا - في آخر سورة الحاقة في قوله في وصفه للقرآن
وإنه لحسرة على الكافرين وإنه لحق اليقين فسبح باسم ربك العظيم [ 69
- 52 ] ، والحق هو اليقين .
وقد قدمنا أن إضافة الشيء إلى نفسه مع اختلاف اللفظين أسلوب عربي ، وذكرنا كثرة وروده في القرآن وفي كلام العرب ، ومنه في القرآن قوله تعالى :
ولدار الآخرة [ 12 \ 109 ] ، و " لدار " هي الآخرة ، وقوله :
ومكر السيئ [ 35 \ 43 ] ، والمكر هو السيئ بدليل قوله بعده :
ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله [ 35 \ 43 ] .
وقوله :
من حبل الوريد [ 50 \ 16 ] ، والحبل هو الوريد ، وقوله :
شهر رمضان [ 2 \ 185 ] ، والشهر هو رمضان .
ونظير ذلك من كلام العرب قول
امرئ القيس :
كبكر المقاناة البياض بصفرة غذاها نمير الماء غير المحلل
والبكر هي المقاناة .
وقول
عنترة :
ومشك سابغة هتكت فروجها بالسيف عن حامي الحقيقة معلم
لأن مراده بالمشك هنا الدرع نفسها بدليل قوله : هتكت فروجها ، يعني الدرع ، وإن كان أصل المشك لغة السير الذي تشد به الدرع ، لأن السير لا تمكن إرادته في بيت
[ ص: 538 ] عنترة هذا خلافا لما ظنه صاحب تاج العروس ، بل مراد
عنترة بالمشك الدرع ، وأضافه إلى السابغة التي هي الدرع كما ذكرنا ، وإلى هذا يشير ما ذكروه في باب العلم ، وعقده في الخلاصة بقوله :
وإن يكونا مفردين فأضف حتما وإلا أتبع الذي ردف
لأن الإضافة المذكورة من إضافة الشيء إلى نفسه مع اختلاف اللفظين ، وقد بينا في كتابنا " دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب " أن قوله في الخلاصة :
ولا يضاف اسم لما به اتحد معنى وأول موهما إذا ورد
إن الذي يظهر لنا من استقراء القرآن والعربية أن ذلك أسلوب عربي ، وأن الاختلاف بين اللفظين كاف في المغايرة بين المضاف والمضاف إليه ، وأنه لا حاجة إلى التأويل مع كثرة ورود ذلك في القرآن والعربية .
ويدل له تصريحهم بلزوم إضافة الاسم إلى اللقب إن كانا مفردين نحو سعيد كرز ، لأن ما لا بد له من تأويل لا يمكن أن يكون هو اللازم كما ترى ، فكونه أسلوبا أظهر .
وقوله : فسبح باسم ربك العظيم [ 56 \ 96 ] ، التسبيح : أصله الإبعاد عن السوء ، وتسبيح الله وتنزيهه عن كل ما لا يليق بكماله وجلاله ، وذلك التنزيه واجب له في ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله ، والظاهر أن الباء في قوله :
باسم ربك [ 56 \ 96 ] داخلة على المفعول ، وقد قدمنا في سورة مريم في الكلام على قوله تعالى :
وهزي إليك بجذع النخلة الآية [ 19 \ 25 ] أدلة كثيرة من القرآن وغيره على دخول الباء على المفعول الذي يتعدى إليه الفعل بنفسه ، كقوله :
وهزي إليك بجذع النخلة [ 19 \ 25 ] ، والمعنى : وهزي جذع النخلة .
وقوله :
ومن يرد فيه بإلحاد [ 22 \ 25 ] ، أي إلحادا إلى آخر ما قدمنا من الأدلة الكثيرة ، وعليه فالمعنى : سبح اسم ربك العظيم كما يوضحه قوله في الأعلى
سبح اسم ربك الأعلى [ 87 \ 1 ] .
وقال
القرطبي : الاسم هنا بمعنى المسمى ، أي سبح ربك ، وإطلاق الاسم بمعنى المسمى معروف في كلام العرب ، ومنه قول
لبيد :
[ ص: 539 ] إلى الحول ثم اسم السلام عليكما ومن يبك حولا كاملا فقد اعتذر
ولا يلزم في نظري أن الاسم بمعنى المسمى هنا لإمكان كون المراد نفس الاسم ، لأن أسماء الله ألحد فيها قوم ونزهها آخرون عن كل ما لا يليق ، ووصفها الله بأنها بالغة غاية الحسن ، وفي ذلك أكمل تنزيه لها لأنها مشتملة على صفاته الكريمة ، وذلك في قوله :
ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها [ 7 \ 180 ] ، وقوله تعالى :
أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى [ 17 \ 110 ] .
ولسنا نريد أن نذكر كلام المتكلمين في الاسم والمسمى ، هل الاسم هو المسمى أو لا ؟ لأن مرادنا هنا بيان معنى الآية ، والعلم عند الله تعالى .