قوله تعالى :
يا أيها الذين آمنوا لا تتولوا قوما غضب الله عليهم قد يئسوا من الآخرة كما يئس الكفار من أصحاب القبور [ 60 \ 13 ] .
يرى المفسرون أن هذه الآية في ختام هذه السورة كالآية الأولى في أولها ، وهذا ما يسمى عودا على بدء .
قال
أبو حيان : لما افتتح هذه السورة بالنهي عن اتخاذ الكفار أولياء ختمها بمثل ذلك تأكيدا لترك موالاتهم ، وتنفيرا للمسلمين عن توليهم وإلقاء المودة إليهم .
وقال
ابن كثير : ينهى تبارك وتعالى عن
موالاة الكافرين في آخر هذه السورة ، كما نهى عنها في أولها ، والذي يظهر لي والله تعالى أعلم ، أنها لم تكن لمجرد التأكيد للنهي المتقدم ، ولكنها تتضمن معنى جديدا ، وذلك للآتي :
أولا : أنها نص في قوم غضب الله عليهم ، وعلى أنها للتأكيد حملها البعض على العموم ؛ لأن كل كافر مغضوب عليه ، وحملها البعض على خصوص
اليهود ؛ لأنه وصف صار عرفا لهم ، هو قول
الحسن وابن زيد ، قاله
أبو حيان ، ومما تقدم للشيخ - رحمة الله تعالى عليه - في مقدمة الأضواء ، أنه إذا اختلف في تفسير آية ، وكان أكثر استعمال القرآن لأحد المعنيين كان مرجحا على الآخر ، وهو محقق هنا ، كما قال
الحسن ، أصبح عرفا عليهم ، وقد خصهم تعالى في قوله :
قل هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند الله من لعنه الله وغضب عليه وجعل منهم القردة والخنازير [ ص: 103 ] [ 5 \ 60 ] ، وقوله فيهم :
فباءوا بغضب على غضب [ 2 \ 90 ] ، وقد فرق الله بينهم وبين
النصارى في قوله تعالى :
غير المغضوب عليهم ولا الضالين [ 1 \ 7 ] ، ولو قيل : إنها في
اليهود والمنافقين ، لما كان بعيدا ؛ لأنه تعالى نص على غضبه على المنافقين في هذا الخصوص في سورة المجادلة في قوله تعالى :
ألم تر إلى الذين تولوا قوما غضب الله عليهم ما هم منكم ولا منهم ويحلفون على الكذب وهم يعلمون 30 [ 58 \ 14 ] ، وعلى هذا فتكون خاصة في
اليهود والمنافقين ، والغرض من تخصيصها بهما وعودة ذكرهما بعد العموم المتقدم في عدوي وعدوكم ، كما أسلفنا هو والله تعالى أعلم ، لما نهى أولا عن موالاة الأعداء ، وأمر بتقطيع الأواصر بين ذوي الأرحام ، جاء بعدها ما يشيع الأمل بقوله :
عسى الله أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم مودة [ 60 \ 7 ] ، وعاديتم عامة باقية على عمومها ، ولكن
اليهود ، والمنافقين لم يدخلوا في مدلول عسى تلك ، فنبه تعالى عليهم بخصوصهم لئلا يطمع المؤمنون أو ينتظروا شيئا من ذلك ، فأيأسهم من موالاتهم ومودتهم ، كيأس
اليهود والمنافقين في الآخرة ، أي : بعدم الإيمان الذي هو رابطة الرجاء المتقدم في عسى ، وفعلا كان كما أخبر الله ، فقد جعل المودة من بعض المشركين ولم يجعلها من بعض المنافقين ولا
اليهود ، فهي إذا مؤسسة لمعنى جديد ، وليست مؤكدة لما تقدم ، والعلم عند الله تعالى .