قوله تعالى :
مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا .
قال الشيخ - رحمة الله تعالى علينا وعليه - في إملائه : هذا مثل ضربه الله
لليهود ، وهو أنه شبههم بحمار ، وشبه التوراة التي كلفوا العمل بما فيها بأسفار أي : كتب جامعة للعلوم النافعة ، وشبه تكليفهم بالتوراة بحمل ذلك الحمار لتلك الأسفار ، فكما أن الحمار لا ينتفع بتلك العلوم النافعة التي في تلك الكتب المحمولة على ظهره ، فكذلك
اليهود لم ينتفعوا بما في التوراة من العلوم النافعة ؛ لأنهم كلفوا باتباع
محمد - صلى الله عليه وسلم - وإظهار صفاته للناس فخانوا ، وحرفوا وبدلوا فلم ينفعهم ما في كتابهم من العلوم ا هـ .
فأشار الشيخ - رحمة الله تعالى علينا وعليه - إلى أن وجه الشبه عدم الانتفاع بما تحملوه من التوراة وهم يعلمون ما فيها من رسالة
محمد - صلى الله عليه وسلم - وقد أوضح الله تعالى
[ ص: 118 ] هذا في موضع آخر في قوله تعالى :
الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم وإن فريقا منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون [ 2 \ 146 ] فقد جحدوا رسالة
محمد - صلى الله عليه وسلم - وهم يعرفونه كما يعرفون أبناءهم فلم ينفعهم علمهم به .
وهذه الآية أشد ما ينبغي الحذر منها ، وخاصة لطلاب العلم وحملته ، كما قال تعالى :
بئس مثل القوم [ 62 \ 5 ] أي : تشبيههم في هذا المثل بهذا الحيوان المعروف .
وقد سبق للشيخ - رحمة الله تعالى علينا وعليه - الكلام على هذا المثال في عدة مواضع من الأضواء ، منها في الجزء الثاني عند قوله تعالى :
فمثله كمثل الكلب الآية [ 7 \ 176 ] .
ومنها في الجزء الثالث عند قوله تعالى :
مثل الذين كفروا بربهم أعمالهم كرماد الآية [ 14 \ 18 ] .
ومنها في الجزء الرابع عند قوله تعالى :
ولقد صرفنا في هذا القرآن للناس [ 18 \ 54 ] في سورة " الكهف " بما فيه الكفاية .
والذي ينبغي التنبيه عليه هو أن أكثر المفسرين يجعله من قبيل التشبيه المفرد ، وأن وجه الشبه فيه مفرد وهو عدم الانتفاع بالمحمول ، كالبيت الذي فيه :
كالعيس في البيداء يقتلها الظما والماء فوق ظهورها محمول
والذي يظهر والله تعالى أعلم أنه من قبيل التشبيه التمثيلي ؛ لأن وجه الشبه مركب من مجموع كون المحمول كتبا نافعة ، والحامل حمارا لا علاقة له بها بخلاف ما في البيت ، لأن العيس يمكن أن تنتفع بالماء لو حصلت عليه ، والحمار لا ينتفع بالأسفار ولو نشرت بين عينيه ، وفيه إشارة إلى أن من موجبات نقل النبوة عن
بني إسرائيل كلية أنهم وصلوا إلى حد الإلباس من انتفاعهم بأمانة التبليغ والعمل ، فنقلها الله إلى قوم أحق بها وبالقيام بها .