حكم الأذان والإقامة
قال
ابن رشد : واختلف العلماء في حكم الأذان هل هو واجب أو سنة مؤكدة ؟ وإن كان واجبا فهل هو من فروض الأعيان أو من فروض الكفاية ؟ اهـ .
فتراه يدور حكمه بين فرض العين والسنة المؤكدة ، والسبب في هذا الاختلاف ، اختلافهم في وجهة النظر في الغرض من الأذان هل هو من حق الوقت للإعلام بدخوله أو من حق الصلاة ، كذكر من أذكارها أو هو شعار للمسلمين يميزهم عن غيرهم ؟
وسنجمل أقوال الأئمة - رحمهم الله - مع الإشارة إلى مأخذ كل منهم ثم بيان الراجح
[ ص: 135 ] إن شاء الله .
أولا : اتفق
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ،
وأبو حنيفة على أنه سنة على ما رجحه
النووي عن
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي في المجموع أنه سنة في حق الجميع المنفرد والجماعة في الحضر وفي السفر ، أي : أنه لا تتعلق به صحة الصلاة .
وحكي عنه أنه فرض كفاية أي : للجماعة أو للجمعة خاصة ، والدليل لهم في ذلك حديث المسئ صلاته ; لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - علمه معها الوضوء ، واستقبال القبلة ، ولم يعلمه أمر الأذان ولا الإقامة .
ثانيا :
مالك جاء عنه أنه فرض على المساجد التي للجماعة وليس على المنفرد فرضا ولا سنة .
وعنه : أنه سنة مؤكدة على مساجد الجماعة ، ففرق
مالك بين المنفرد ومساجد الجماعة . وفي متن خليل عندهم أنه سنة لجماعة تطلب غيرها في فرض وقتي ، ولو جمعة أي وما عدا ذلك فليس بسنة ، فلم يجعله على المنفرد أصلا . واختلف القول عنه في مساجد الجماعة ما بين الفرض والسنة المؤكدة ، واستدل بحديث
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر - رضي الله عنه -
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009552كان لا يزيد على الإقامة في السفر إلا في الصبح ، وكان يقول : إنما الأذان للإمام الذي يجتمع له الناس ، رواه
مالك .
وكذلك أثر
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود وعلقمة ، صلوا بغير أذان ولا إقامة . قال
سفيان : كفتهم إقامة المصر ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود : إقامة المصر تكفي ، رواهما
nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني في الكبير بلين .
ثالثا : وعند الحنابلة : قال
الخرقي : هو سنة أي
nindex.php?page=showalam&ids=13790كالشافعي وأبي حنيفة ، وغير
الخرقي قال كقول
مالك .
رابعا : عند
الظاهرية فرض على الأعيان ، ويستدلون بحديث
مالك بن الحويرث وصاحبه ، قال لهما صلى الله عليه وسلم : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009553إذا كنتما في سفر فأذنا وأقيما ، وليؤمكما أكبركما " . متفق عليه .
فحملوا الأمر على الوجوب .
هذا موجز أقوال الأئمة - رحمهم الله - مع الإشارة إلى أدلتهم في الجملة ، وحكمه كما رأيت دائر بين السنة عموما عند
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي وأبي حنيفة ، والوجوب عند
الظاهرية .
[ ص: 136 ] والسنة المؤكدة أو فرض الكفاية عند
مالك وغيره على تفصيل في ذلك .
وقد رأيت النصوص عند الجميع ، ولكن من أسباب الخلاف في حكم الأذان هو تردد النظر فيه هل هو في حق الوقت للإعلام بدخول الوقت ، أو هو حق الصلاة نفسها ، أو هو شعار للمسلمين ؟
فعلى أنه من حق الوقت ، فأذان واحد ، فإنه يحصل به الإعلام ويكفي عن غيره ، ولا يؤذن من فاته أول الوقت ، ولا من يصلي في مسجد قد صليت فيه الفريضة أولا ولا للفوائت .
وإن كان من حق الصلاة فهل هو شرط في صحتها أو سنة مستقلة .
وعلى أنه للوقت للإعلام به ، فإنه يعارضه حديث قصة تعريسهم آخر الليل ، ولم يوقظهم إلا حر الشمس ، وأمره - صلى الله عليه وسلم - بالانتقال عن ذلك الوادي ثم نزولهم والأمر بالأذان والإقامة ، فلا معنى لكونه للوقت في هذا الحديث ، وهو من رواية
مالك في الموطأ .
وعلى أنه للصلاة فله جهتان :
الأولى : إذا كان المصلي منفردا ولا يطلب من يصلي معه .
والثانية : أنه إذا كانوا جماعة .
فإذا كان منفردا لا يطلب من يصلي معه ، فلا ينبغي أن يختلف في كونه ليس شرطا في صحة الصلاة ، وليس واجبا عليه ; لأن الأذان للإعلام ، وليس هناك من يقصد إعلامه .
ولحديث المسئ صلاته المتقدم ذكره ، وقد يدل لذلك ظاهر نصوص القرآن في بيان
شروط الصلاة التي هي :
الطهارة ،
والوقت ،
وستر العورة ،
واستقبال القبلة .
ففي الطهارة قال تعالى :
ياأيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم الآية [ 5 \ 6 ] .
وفي الوقت قال تعالى :
وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل الآية [ 11 \ 114 ] ونحوها .
وفي العورة قال تعالى :
يابني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد الآية [ 7 \ 31 ] .
[ ص: 137 ] وفي القبلة قال تعالى :
قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام [ 2 \ 144 ] .
وأما في الأذان فقال تعالى :
وإذا ناديتم إلى الصلاة اتخذوها هزوا ولعبا [ 5 \ 58 ] .
وقال في سورة " الجمعة " في هذه الآية :
ياأيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة [ 62 \ 9 ] وكلاهما حكاية واقع ، وليس فيهما صيغة أمر كغير الأذان مما تقدم ذكره .
أما حديث
ابن الحويرث فهو في خصوص جماعة ، وليس في شخص واحد كما هو نص الحديث .
وبقي النظر فيه
في حق الجماعة ، هل هو على الوجوب في حقهم أم على الندب ؟ وإذا كان بالنصوص القرآنية المتقدمة أنه ليس شرطا لصحة صلاة الفرد ، فليس هو إذا بشرط في صحة صلاة الجماعة فيجعل الأمر فيه على الندب .
وعليه حديث
ابن أبي صعصعة أن
أبا سعيد قال له : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009554أراك تحب الغنم والبادية ، فإذا كنت في غنمك أو باديتك فأذنت للصلاة فارفع صوتك بالنداء ; فإنه لا يسمع مدى صوت المؤذن جن ولا إنس ولا شيء إلا شهد له يوم القيامة ، سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم " . رواه
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ومالك في الموطأ
nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي .
ومحل الشاهد فيه قوله رضي الله عنه : فأذنت للصلاة فارفع صوتك ، فيفهم منه أنه إن لم يؤذن فلا شيء عليه ، وأنه يراد به الحث على رفع الصوت لمن يؤذن ولو كان في البادية ، لما يترتب عليه من هذا الأجر .
أما كونه شعارا للمسلمين فينبغي أن يكون وجوبه متعلقا بالمساجد في الحضر ، فيلزم أهلها ، كما قال
مالك nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي في حق المساجد .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : يقاتلون عليه إن تركوه ، ذكره
النووي في المجموع لدليل الإغارة في الصبح أو الترك بسبب سماعه ، وكذلك يتعلق في السفر بالإمام ، وينبغي أن يحرص عليه
[ ص: 138 ] لفعله - صلى الله عليه وسلم - في كل أسفاره في غزواته وفي حجه كما هو معلوم ، وما عدا ذلك فهو لا شك سنة لا ينبغي تركها .
ولابن تيمية تقسيم نحو هذا في المجموع في الجزء الثاني والعشرين : وللأذان عدة جوانب تبع لذلك منها في حالة
الجمع بين الصلاتين ، فقد جاءت السنة بالأذان والإقامة للأولى منهما ، والاكتفاء بالإقامة للثانية ، كما في الجمع بين الظهر والعصر
بعرفة ، والمغرب والعشاء في
المزدلفة على الصحيح ، وهو من أدلة عدم الوجوب لكل صلاة .
ومنها أن
لا أذان على النساء أي لا وجوب ، وإن أردن الفضيلة أتين به سرا ، وقد عقد له
البيهقي بابا قال فيه : ليس على النساء أذان ولا إقامة ، وساق فيه عن
عبد الله بن عمر موقوفا ، قال : ليس على النساء أذان ولا إقامة ، ثم ساق
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009555عن أسماء - رضي الله عنها - مرفوعا : " ليس على النساء أذان ولا إقامة ، ولا جمعة ولا اغتسال جمعة ، ولا تقدمهن امرأة ، ولكن تقوم في وسطهن " هكذا رواه
الحكم بن عبد الله الأيلي وهو ضعيف ، وقال : ورويناه في الأذان والإقامة عن
nindex.php?page=showalam&ids=9أنس بن مالك موقوفا ومرفوعا ، ورفعه ضعيف وهو قول
الحسن nindex.php?page=showalam&ids=15990وابن المسيب ،
nindex.php?page=showalam&ids=16972وابن سيرين والنخعي .