قوله تعالى :
من يوم الجمعة .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري ونقله عنه
أبو حيان : من في قوله :
من يوم الجمعة بيان لإذا وتفسير له . اهـ .
يعني : إذا نودي فهي بيان لإذا الظرفية وتفسير لها .
الجمعة بضم الجيم والميم قراءة الجمهور ، وبضم الجيم وتسكين الميم قراءة
عبد الله بن الزبير nindex.php?page=showalam&ids=13726والأعمش وغيرهما ، وهما لغتان وجمعهما جمع وجمعات .
قال
الفراء : يقال الجمعة بإسكان الميم ، والجمعة بضمها والجمعة بفتح الميم ، فتكون صفة لليوم أي يجمع الناس .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : نزل القرآن بالتثقيل والتفخيم فاقرؤها جمعة ، يعني : بضم الميم .
وقال
الفراء وأبو عبيد : والتخفيف أقيس وأحسن ، مثل غرفة وغرف وطرفة وطرف وحجرة وحجر ، وفتح الميم لغة
بني عقيل ، وقيل : إنها لغة النبي - صلى الله عليه وسلم - حكاه
القرطبي وغيره .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : قرئ بهن جميعا ، وقال غيره : والأول أصح لقول
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله عنهما .
وذكر في
سبب تسمية هذا اليوم عدة أسباب لا تناقض بين شيء منها .
من ذلك ما قاله
ابن كثير رحمه الله : إنها مشتقة من الجمع ، وأهل الإسلام يجتمعون فيه في كل أسبوع .
ومنها : أنه تم فيه خلق جميع الخلائق ، فإنه اليوم السادس من الستة التي خلق الله فيها السماوات والأرض ، وفيه خلق
آدم يعني جمع خلقه ، وفيه الحديث عن
سلمان nindex.php?page=hadith&LINKID=1009582أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له : " يا سلمان ، ما يوم الجمعة " ؟ قلت : الله ورسوله أعلم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يوم الجمعة يوم جمع الله فيه أبواكم - أو - أبوكم " ، قال
ابن كثير : وقد روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة من كلامه نحو هذا ، فالله أعلم .
والذي يظهر والله تعالى أعلم : أن ما حكاه عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة له حكم الرفع ، كما جاء
[ ص: 161 ] في الموطأ في
فضل يوم الجمعة أنه : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009583خير يوم تطلع فيه الشمس ، فيه خلق آدم " إلى آخر الحديث ، وسيأتي إن شاء الله عند بيان فضلها .
وقد كان يقال له في الجاهلية يوم العروبة .
ونقل عن
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج nindex.php?page=showalam&ids=14888والفراء وأبي عبيدة : أن العرب العاربة كانت تسمي الأيام هكذا : السبت شبار ، الأحد أول ، الاثنين أهون ، الثلاثاء جبار ، الأربعاء دبار ، الخميس مؤنس ، الجمعة العروبة . وأول من نقل العروبة إلى الجمعة
كعب بن لؤي ، نقل من بذل المجهود شرح
أبي داود .
وقيل :
أول من سماه بالجمعة كعب بن لؤي ، وقد كان معروفا بهذا الاسم في أول البعثة ، كما جاء في سبب أول جمعة صليت
بالمدينة .
قال
القرطبي : وأول من سماها جمعة : الأنصار ، ونقل عن
nindex.php?page=showalam&ids=16972ابن سيرين قوله : جمع
أهل المدينة من قبل أن يقدم النبي - صلى الله عليه وسلم -
المدينة ، وقبل أن تنزل الجمعة هم الذين سموها الجمعة ، وذلك أنهم قالوا : إن
لليهود يوما يجتمعون فيه في كل سبعة أيام يوم ، وهو السبت ،
وللنصارى يوم مثل ذلك وهو الأحد ، فتعالوا فلنجتمع حتى نجعل يوما ، لنتذاكر الله ، ونصلي فيه ونستذكر أو كما قالوا ، فقالوا : يوم السبت
لليهود ، ويوم الأحد
للنصارى فاجعلوه يوم العروبة ، فاجتمعوا إلى
nindex.php?page=showalam&ids=103سعد بن زرارة وهو أبو أمامة رضي الله عنه ، فصلى بهم يومئذ ركعتين ، وذكرهم فسموه يوم الجمعة حتى اجتمعوا فذبح لهم
سعد شاة فتعشوا وتغدوا منها لقلتهم .
فهذه
أول جمعة في الإسلام .
أما أول جمعة أقامها النبي - صلى الله عليه وسلم - فهي التي أقامها مقدمه إلى
المدينة حين نزل
قباء يوم الاثنين ومكث الثلاثاء والأربعاء والخميس ، وفي صبيحة الجمعة نزل إلى
المدينة فأدركته الصلاة في
بني سالم بن عوف في بطن واد لهم ، قد اتخذ القوم في ذلك الموضع مسجدا فجمع بهم - صلى الله عليه وسلم - وخطب ، وهو موضع معروف إلى اليوم في
بني النجار ، وقد ساق
القرطبي خطبته - صلى الله عليه وسلم - في ذلك اليوم ، ثم كانت
الجمعة التي تلتها في الإسلام في قرية
جوانا بالأحساء اليوم .
وقد خص الله المسلمين بهذا اليوم وفضله ، كما قال
ابن كثير وغيره لحديث
أبي [ ص: 162 ] هريرة - رضي الله عنه - عند
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ومسلم قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009584قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " نحن الآخرون السابقون يوم القيامة ، بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا ، ثم إن هذا يومهم الذي فرض الله عليهم فاختلفوا فيه ، فهدانا الله له فالناس لنا فيه تبع ، اليهود غدا والنصارى بعد غد " ، لفظ
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري . وفي لفظ
لمسلم "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009585أضل الله عن الجمعة من كان قبلنا ، فكان لليهود يوم السبت ، وكان للنصارى يوم الأحد ، فجاء الله بنا فهدانا الله ليوم الجمعة ، فجعل الجمعة والسبت والأحد ، وكذلك هم تبع لنا يوم القيامة ، نحن الآخرون من أهل الدنيا والأولون يوم القيامة ، المقضي بينهم قبل الخلائق " ذكره
ابن كثير ، من خصائص يوم الجمعة .
كما اختصت هذه الأمة بيوم الجمعة عن سائر الأيام ، فقد اختص يوم
الجمعة نفسه بخصائص عن سائر الأيام ، أجمعها ما جاء في موطأ
مالك عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ، أنه قال : خرجت إلى
الطور فلقيت
nindex.php?page=showalam&ids=16850كعب الأحبار فجلست معه ، فحدثني عن التوراة ، وحدثته عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكان فيما حدثته أن قلت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009586خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة فيه خلق آدم ، وفيه أهبط من الجنة ، وفيه تيب عليه وفيه مات ، وفيه تقوم الساعة وما من دابة إلا وهي مصيخة يوم الجمعة من حين تصبح حتى تطلع الشمس شفقا من الساعة إلا الجن والإنس ، وفيه ساعة لا يصادفها عبد مسلم وهو يصلي يسأل الله شيئا إلا أعطاه إياه " .
قال
كعب : ذلك في كل سنة ، قلت : بل في كل جمعة فقرأ
كعب التوراة ، فقال : صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=3أبو هريرة : فلقيت
بصرة بن أبي بصرة الغفاري فقال : من أين أقبلت ؟ فقلت : من
الطور فقال : لو أدركتك قبل أن تخرج إليه ما خرجت ، سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009587لا تعمل المطي إلا إلى ثلاثة مساجد ، إلى المسجد الحرام ، وإلى مسجدي هذا ، وإلى مسجد إيلياء - أو - بيت المقدس " يشك .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=3أبو هريرة ، ثم لقيت
nindex.php?page=showalam&ids=106عبد الله بن سلام فحدثته بمجلسي مع
nindex.php?page=showalam&ids=16850كعب الأحبار ، وما حدثته به في يوم الجمعة فقلت : قال
كعب : ذلك في كل سنة يوم ، قال : قال
nindex.php?page=showalam&ids=106عبد الله بن سلام : كذب
كعب ، فقلت : ثم قرأ التوراة ، فقال : بل هي في كل جمعة ، فقال
nindex.php?page=showalam&ids=106عبد الله بن سلام : صدق
كعب ، ثم قال
nindex.php?page=showalam&ids=106عبد الله بن سلام : قد علمت أية ساعة هي ؟ قال
nindex.php?page=showalam&ids=3أبو هريرة فقلت له : أخبرني بها ولا تضن علي ، فقال
nindex.php?page=showalam&ids=106عبد الله بن سلام : هي آخر ساعة في يوم
[ ص: 163 ] الجمعة ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=3أبو هريرة : فقلت وكيف تكون آخر ساعة في يوم الجمعة ، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009588لا يصادفها عبد مسلم وهو يصلي " ، وتلك الساعة ساعة لا يصلى فيها ؟ فقال
nindex.php?page=showalam&ids=106عبد الله بن سلام : ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009589من جلس مجلسا ينتظر الصلاة فهو في صلاة حتى يصلي " ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=3أبو هريرة : فقلت : بلى ، قال : فهو كذلك .
فهذا نص صريح في أنه خير يوم طلعت عليه الشمس ، ثم بيان أن الخيرية فيه لما وقع به من أحداث ، وإلا فجميع الأيام حركة فلكية لا مزية فيها إلا ما خصها الله دون غيرها من الوقائع .
وقد تعددت هنا في حق أبينا
آدم - عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام - ولذا قيل : يوم الجمعة يوم
آدم ، ويوم الاثنين يوم
محمد - صلى الله عليه وسلم - أي لقوله - صلى الله عليه وسلم - لما سئل عن كثرة صيامه يوم الاثنين قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009590ذلك يوم ولدت فيه ، وعلي فيه أنزل " الحديث .
ولما كان
يوم الجمعة هو يوم آدم فيه خلق ، وفيه أسكن الجنة ، وفيه أنزل إلى الأرض ، وفيه تاب الله عليه ، وفيه قيام الساعة ، فكان يوم العالم من بدء أبيهم إلى منتهى حياتهم ، فكأنه في الإسلام يوم تزودهم إلى ذلك المصير .
وروى
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ومسلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم -
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009591كان يقرأ الم [ 32 \ 1 ] السجدة ، وهل أتى على الإنسان [ 76 \ 1 ] في فجر يوم الجمعة .
قال
ابن تيمية : وذلك لما فيهما من ذكر خلق الله
آدم وحياة الإنسان ومنتهاه ، كما في سورة " السجدة " في قوله تعالى :
الله الذي خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش ما لكم من دونه من ولي ولا شفيع أفلا تتذكرون يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون ذلك عالم الغيب والشهادة العزيز الرحيم الذي أحسن كل شيء خلقه وبدأ خلق الإنسان من طين ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين ثم سواه ونفخ فيه من روحه وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلا ما تشكرون [ 32 \ 4 - 9 ] .
وفي سورة :
هل أتى على الإنسان ، قوله تعالى :
هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعا بصيرا إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا إنا أعتدنا للكافرين سلاسل وأغلالا وسعيرا إن الأبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافورا [ 76 \ 1 - 5 ] .
[ ص: 164 ] ففي هذا بيان لخلق العالم كله جملة ثم خلق
آدم ، ثم تناسل نسله ثم منتهاهم ومصيرهم ليتذكر بخلق أبيه
آدم ، وما كان من أمره كيلا ينسى ولا يسهو عن نفسه .
وهكذا ذكر مثل هذا التوجيه في الجملة
ابن حجر في الفتح ، وناقش حكم قراءتهما والمداومة عليهما أو تركهما ، وذلك في باب ما يقرأ في
صلاة الجمعة .
وفي المنتقى عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس - رضي الله عنهما -
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009592أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقرأ يوم الجمعة في صلاة الصبح : الم تنزيل [ 32 \ 1 - 2 ] ، وهل أتى على الإنسان ، وفي صلاة الجمعة بسورة " الجمعة " و " المنافقون " . رواه
أحمد ، ومسلم ،
وأبو داود ،
nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي .
وناقش
الشوكاني السجود فيها أي في فجر الجمعة أو في غيرها من الفريضة ، إذا قرأ ما فيه سجدة تلاوة .
وحكي السجود في فجر الجمعة عن
عمر ،
وعثمان ،
nindex.php?page=showalam&ids=10وابن مسعود ،
nindex.php?page=showalam&ids=12وابن عمر ،
وابن الزبير وقال : هو مذهب
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ، وقال : كرهه
مالك وأبو حنيفة وبعض الحنابلة ، فراجعه .