قوله تعالى : يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن وأحصوا العدة واتقوا الله ربكم الآية .
قيل في سبب نزولها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - طلق
حفصة - رضي الله عنها - فنزلت ، وقيل غير ذلك ، وعلى كل فالعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب كما هو معلوم .
ومما يشهد لهذه القاعدة ما لو أخذنا بعين الاعتبار النسق الكريم بين السورتين ، حيث كان آخر ما قبلها موضوع الأولاد والزوجات من فتنة وعداء .
والإشارة إلى علاج ما بين الزوجين من إنفاق وتسامح على ما أشرنا إليه سابقا هناك ، فإن صلح ما بينهم بذاك فبها ونعمت ، وإن تعذر ما بينهما وكانت الفرقة متحتمة فجاءت هذه السورة على إثرها تبين طريقة الفرقة السليمة في الطلاق وتشريعه وما يتبعه من عدد وإنفاق ونحو ذلك .
وقوله تعالى :
ياأيها النبي ، بالنداء للنبي صلى الله عليه وسلم . وقوله :
إذا طلقتم بخطاب لعموم الأمة ، قالوا : كان النداء للنبي - صلى الله عليه وسلم - والخطاب للأمة تكريما لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتكليفا للأمة . وقيل : خوطبت الأمة في شخصية الرسول - صلى الله عليه وسلم - كخطاب الجماعة في شخصية رئيسها .
وقال الشيخ - رحمة الله تعالى علينا وعليه - : ولهذه الآية استدل من يقول : إن
الرسول - صلى الله عليه وسلم - يكون داخلا في عموم خطاب الأمة . اهـ .
والواقع أن
الخطاب الموجه للنبي - صلى الله عليه وسلم - على ثلاثة أقسام :
الأول : قد يتوجه الخطاب إليه - صلى الله عليه وسلم - ولا يكون داخلا فيه قطعا ، وإنما يراد به الأمة بلا خلاف ، من ذلك قوله تعالى في بر الوالدين :
إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل ربي ارحمهما كما ربياني صغيرا [ ص: 209 ] [ 17 \ 23 - 24 ] .
فكل صيغ الخطاب هنا موجهة للنبي - صلى الله عليه وسلم - وهو قطعا ليس مرادا بذلك لعدم وجود والدين ، ولا أحدهما عند نزولها كما هو معلوم .
الثاني : أن يكون خاصا به لا يدخل معه غيره قطعا ، نحو قوله تعالى :
وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي إن أراد النبي أن يستنكحها خالصة لك من دون المؤمنين [ 33 \ 50 ] .
والثالث : هو الشامل له - صلى الله عليه وسلم - ولغيره بدليل هذه الآية ، وأول السورة التي بعدها في قوله تعالى :
ياأيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضاة أزواجك [ 66 \ 1 ] ، فهذا كله خطاب موجه له صلى الله عليه وسلم .
وجاء بعدها مباشرة :
قد فرض الله لكم بخطاب الجميع :
تحلة أيمانكم [ 66 \ 2 ] فدل أن الآية داخلة في قوله تعالى :
ياأيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك [ 66 \ 1 ] ، وهذا باتفاق .
وقد بين الشيخ - رحمة الله تعالى علينا وعليه - هذه المسألة بأقوى دليل فيها عند قوله تعالى :
فأقم وجهك للدين حنيفا ، إلى قوله :
منيبين إليه [ 30 - 31 ] .
وقوله تعالى : إذا طلقتم النساء الآية ، يشعر بأن كل المطلقات من النساء يطلقن لعدتهن وتحصى عدتهن .
والإحصاء العدد مأخوذ من الحصا ، وهو الحصا الصغير كانت العرب تستعمله في العدد لأميتهم ، ثم ذكر بعض عدد لبعض المطلقات ولم يذكر جميعهن مع أنه من المطلقات من لا عدة لهن وهن غير المدخول بهن ، ومن المطلقات من لم يذكر عدتهن هنا .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : إنه لا عموم ولا تخصيص ; لأن لفظ النساء اسم جنس يطلق على الكل وعلى البعض ، وقد أطلق هنا على البعض وهو المبين حكمهن بذكر عدتهن ، وهن اللاتي يئسن والصغيرات وذوات الحمل ، وحاصل
عدد النساء تتلخص في الآتي ، وهي أن الفرقة إما بحياة أو بموت ، والمفارقة إما حامل أو غير حامل ، فالحامل عدتها بوضع حملها اتفاقا ، ولا عبرة بالخلاف في ذلك لصحة النصوص ، وغير الحامل بأربعة أشهر وعشر
[ ص: 210 ] مدخول بها وغير مدخول ، والمفارقة بالحياة إما مدخول بها أو غير مدخول بها ، فغير المدخول بها لا عدة عليها إجماعا ، والمدخول بها إما من ذوات الأقراء فعدتها ثلاثة قروء على خلاف في المراد بالقرء .
وأما من ليست من ذوات الأقراء ، كاليائسة والصغيرة ، فعدتها بالأشهر ثلاثة أشهر .
وقد تقدم للشيخ - رحمة الله تعالى علينا وعليه - في الجزء الأول عند قوله تعالى :
والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء [ 2 \ 228 ] ، وفصل أنواع المطلقات المدخول بهن وغير المدخول بهن ، وأنواع العدد بالأقراء أو الأشهر أو الحمل ، وبين الجمع بين العمومات الواردة في ذلك كله مما يغني عن الإعادة هنا .