قوله تعالى :
وجاء فرعون ومن قبله والمؤتفكات بالخاطئة
المؤتفكات : المنقلبات ، وهي قرى
قوم لوط .
وتقدم للشيخ - رحمة الله تعالى علينا وعليه - تفصيل ذلك ، عند قوله تعالى في ( هود )
فلما جاء أمرنا جعلنا عاليها سافلها الآية [ 11 \ 82 ] .
وفي ( النجم ) عند قوله تعالى :
والمؤتفكة أهوى [ 53 \ 53 ] .
تنبيه .
نص تعالى هنا أن فرعون ومن قبله ، والمؤتفكات جاءوا بالخاطئة ، وهي :
فعصوا رسول ربهم [ 69 \ 10 ] ، وكذلك عاد وثمود كذبوا بالقارعة . فالجميع اشترك في الخاطئة ، وهي عصيان الرسول
فعصى فرعون الرسول [ 73 \ 16 ] ، ولكنه قد أخذهم أخذة رابية .
ونوع في أخذهم ذلك : فأغرق فرعون
وقوم نوح ، وأخذ
ثمود بالصيحة ،
وعادا بريح ،
وقوم لوط بقلب قراهم ، كما أخذ جيش أبرهة بطير أبابيل ، فهل في ذلك مناسبة بين كل أمة وعقوبتها ، أم أنه للتنويع في العقوبة; لبيان
قدرته تعالى وتنكيله بالعصاة لرسل الله .
الواقع أن أي نوع من العقوبة فيه آية على القدرة ، وفيه تنكيل بمن وقع بهم ، ولكن تخصيص كل أمة بما وقع عليها يثير تساؤلا ، ولعل مما يشير إليه القرآن إشارة خفيفة هو
[ ص: 259 ] الآتي .
أما فرعون ، فقد كان يقول :
أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي [ 43 \ 51 ] ، فلما كان يتطاول بها جعل الله هلاكه فيها ، أي : في جنسها .
وأما
قوم نوح ، فلما يئس منهم بعد ألف سنة إلا خمسين عاما ، وأصبحوا لا يلدون إلا فاجرا كفارا ، فلزم تطهير الأرض منهم ، ولا يصلح لذلك إلا الطوفان .
وأما
ثمود ، فأخذوا بالصيحة الطاغية ، لأنهم نادوا صاحبهم فتعاطى فعقر ، فلما كان نداؤهم صاحبهم سببا في عقر الناقة ، كان هلاكهم بالصيحة الطاغية .
وأما
عاد ، فلطغيانهم بقوتهم ، كما قال تعالى فيهم :
ألم تر كيف فعل ربك بعاد إرم ذات العماد التي لم يخلق مثلها في البلاد [ 89 \ 6 - 8 ] ، وسواء عماد بيوتهم وقصورهم ، فهو كناية عن طول أجسامهم ، ووفرة أموالهم ، وتوافر القوة عندهم ، فأخذوا بالريح ، وهو أرق وألطف ما يكون ، مما لم يكونوا يتوقعون منه أية مضرة ولا شدة .
وكذلك جيش أبرهة ، لما جاء مدل بعدده وعدته ، وجاء معه بالفيل أقوى الحيوانات ، سلط الله عليه أضعف المخلوقات : الطيور
وأرسل عليهم طيرا أبابيل ترميهم بحجارة من سجيل [ 105 \ 3 - 4 ] .
أما
قوم لوط ، فلكونهم قلبوا الأوضاع بإتيان الذكور دون الإناث ، فكان
الجزاء من جنس العمل ، قلب الله عليهم قراهم . والعلم عند الله تعالى .
ولا شك أن في ذلك كله تخويفا
لقريش .