قوله تعالى :
وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه ، ليست لفظة " من " في هذه الآية للتبعيض ، كما يزعمه
النصارى افتراء على الله ، ولكن " من " هنا لابتداء الغاية ، يعني : أن مبدأ ذلك الروح الذي ولد به
عيسى حيا من الله تعالى ; لأنه هو الذي أحياه به ، ويدل على أن من هنا لابتداء الغاية .
قوله تعالى :
وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعا منه [ 45 \ 13 ] ، أي : كائنا مبدأ ذلك كله منه جل وعلا ويدل لما ذكرنا ما روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=34أبي بن كعب ، أنه قال : " خلق الله أرواح بني
آدم لما أخذ عليهم الميثاق ، ثم ردها إلى صلب
آدم ، وأمسك عنده روح
عيسى عليه الصلاة والسلام " ; فلما أراد خلقه أرسل ذلك الروح إلى مريم ، فكان منه
عيسى عليه السلام ، وهذه الإضافة للتفضيل ; لأن جميع الأرواح من خلقه جل وعلا ، كقوله :
وطهر بيتي للطائفين [ 22 \ 26 ] ، وقوله :
ناقة الله الآية [ 91 \ 13 ] . وقيل : قد يسمى من تظهر منه الأشياء العجيبة روحا ويضاف إلى الله ، فيقال : هذا روح من الله ، أي : من خلقه ، وكان
عيسى يبرئ الأكمه والأبرص ويحيي الموتى بإذن الله ، فاستحق هذا الاسم ، وقيل : سمي روحا بسبب نفخة
جبريل عليه السلام المذكورة في سورة " الأنبياء " " والتحريم " ، والعرب تسمي النفخ روحا ; لأنه ريح تخرج من الروح ، ومنه قول
nindex.php?page=showalam&ids=15871ذي الرمة : [ الطويل ]
فقلت له : ارفعها إليك وأحيها بروحك واقتته لها قيتة قدرا
وعلى هذا القول ، فقوله :
وروح معطوف على الضمير العائد إلى الله الذي هو فاعل ألقاها ، قاله
القرطبي ، والله تعالى أعلم .
وقال بعض العلماء :
وروح منه ، أي : رحمة منه ، وكان
عيسى رحمة من الله لمن اتبعه ، قيل ومنه :
وأيدهم بروح منه [ 8 \ 22 ] ، أي : برحمة منه ، حكاه
القرطبي أيضا ، وقيل ، روح منه ، أي : برهان منه وكان
عيسى برهانا وحجة على
[ ص: 324 ] قومه ، والعلم عند الله تعالى .