قوله تعالى : كلا إذا بلغت التراقي وقيل من راق وظن أنه الفراق والتفت الساق بالساق إلى ربك يومئذ المساق
لم يبين ما هي التي بلغت التراقي ولكنه معلوم أنها الروح ، كما في قوله تعالى :
فلولا إذا بلغت الحلقوم وأنتم حينئذ تنظرون إلى قوله
ترجعونها إن كنتم صادقين [ 56 \ 83 - 87 ] ، فهذه حالات النزع ، والروح تبلغ الحلقوم وتبلغ التراقي . وقد يترك التصريح للعلم كما في قوله تعالى :
إني أحببت حب الخير عن ذكر ربي حتى توارت بالحجاب [ 38 \ 32 ] ، أي : الشمس ، وهكذا هنا فلمعرفتها بالقرائن ترك التصريح بالروح أو النفس ، وقد صرح تعالى بذلك في قوله :
ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت والملائكة باسطو أيديهم أخرجوا أنفسكم اليوم تجزون عذاب الهون الآية [ 6 \ 93 ] .
وقوله تعالى :
وقيل من راق
اختلف في معنى راق هذه ، فقيل من الرقية أي : قال من حوله : من يرتقيه هل من طبيب يرقيه ؟ أي حالة اشتداد الأمر عليه رجاء لشفائه أو استبعادا بأنه لا ينفعه ، وقيل : من الرقي أي تقول الملائكة : من الذي سيرقى بروحه
[ ص: 376 ] أملائكة العذاب أم ملائكة الرحمة ؟
ولكن في الآية قرينة على أن الأول أرجح ; لأن قول الملائكة يكون في حق الشخص المتردد في أمره ، وهذا هنا ليس موضع تردد ; لأن نهاية السياق فيه
فلا صدق ولا صلى ولكن كذب وتولى [ 75 \ 31 ، 32 ] ، إلى ما بعده .
وقال
أبو حيان : على أنه على قول الملائكة من يرقى بروحه ، يكون ذلك كراهية منهم أن يصعدوا بها ، وفي هذا نظر ; لأن الله تعالى جعل ملائكة للمشركين وهم ملائكة العذاب ، وملائكة للمؤمنين ، وهم ملائكة الرحمة . ولا يستكره فريق منهما أن يصعد بما تخصص له ، بل قد لا يسمح للآخر بما يخصه .
كما في حديث الذي قتل مائة نفس ، وأدركته الوفاة في منتصف الطريق ، فحضرته ملائكة الرحمة وملائكة العذاب يختصمون أيهم يصعد بروحه ، كل يريد أن يتولى قبض روحه ، أولئك يقولون : إنه قتل مائة نفس ولم يعمل خيرا قط ، وأولئك يقولون : إنه خرج تائبا إلى الله تعالى .
وهذا كما تقدم للشيخ - رحمة الله تعالى علينا وعليه - من ترجيح أحد المعنيين المختلف فيهما بين المفسرين ; لوجود قرينة في الآية . وقد وجدت القرينة وهي ما في آخر الآية والسياق من أنه ليس موضع تردد :
فلا صدق ولا صلى الآية [ 75 \ 31 ] . والله تعالى أعلم .