قوله تعالى : ناداه ربه بالوادي المقدس ، بين القرآن الكريم أنه
الطور في قوله تعالى :
فلما قضى موسى الأجل وسار بأهله آنس من جانب الطور نارا إلى قوله
فلما أتاها نودي من شاطئ الوادي الأيمن في البقعة المباركة [ 28 \ 29 - 30 ] والمباركة تساوي المقدس .
فبين تعالى أن المناداة كانت
بالطور وهو الوادي المقدس ، وهو طوى ، وفي البقعة المباركة . وقد بين تعالى ما كان في ذلك المكان من مناجاة وأمر العصا والآيات الأخرى في سورة " طه " من أول قوله تعالى :
وهل أتاك حديث موسى إذ رأى نارا إلى قوله
اذهب إلى فرعون [ 20 \ 9 - 24 ] .
وقد فصل الشيخ - رحمة الله تعالى علينا وعليه - القول في ذلك الموقف في سورة " مريم " عند قوله تعالى :
وناديناه من جانب الطور الأيمن [ 19 \ 52 ] .
وقد بين تعالى في سورة " طه " ، كامل قصة المناداة من قوله :
إني أنا ربك فاخلع نعليك إنك بالوادي المقدس طوى وأنا اخترتك فاستمع لما يوحى إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني وأقم الصلاة لذكري إن الساعة آتية [ 20 \ 12 - 15 ] .
ثم قصة العصا والآية في يده - عليه السلام - وإرساله إلى
فرعون إنه طغى ، وسؤال
موسى :
رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري [ 20 \ 25 - 26 ] ، واستوزار أخيه معه ، دون التعرض إلى أسلوب الدعوة ، وفي هذه السورة الكريمة بيان لمنهج الدعوة ،
وما ينبغي أن يكون عليه نبي الله موسى مع عدو الله فرعون .
وأسلوب العرض : "
هل لك إلى أن تزكى وأهديك إلى ربك فتخشى " [ 79 \ 18 - 19 ] ، ثم تقديم الآية الكبرى ، ودليل صحة دعواه مما يلزم كل داعية اليوم أن يقف هذا الموقف ، حيث لا يوجد اليوم أكثر من
فرعون ، ولا أشد طغيانا منه ; حيث ادعى الربوبية والألوهية معا ، فقال :
أنا ربكم الأعلى [ 79 \ 24 ] ، وقال :
ما علمت لكم من إله غيري [ 28 \ 38 ] ،
[ ص: 420 ] ولا يوجد اليوم أكرم على الله من نبي الله
موسى وأخيه
هارون .
ومع ذلك فيكون
منهج الدعوة من أكرم خلق الله إلى أكفر عباد الله بهذا الأسلوب الهادئ اللين الحكيم ، منطلقا من قوله تعالى :
فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى [ 20 \ 44 ] فكانا كما أمرهما الله ، وقالا كما علمهما الله
هل لك إلى أن تزكى وأهديك إلى ربك فتخشى ، وهذا المنهج هو تحقيق لقوله تعالى :
ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة [ 16 \ 125 ] .
وقد وضع القرآن منهجا متكاملا للدعوة إلى الله ، وفصله العلماء بما يشترط في الداعي والمدعو إليه ، ومراعاة حال المدعو .
وقد قدم الشيخ - رحمة الله تعالى علينا وعليه - :
ياأيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم [ 5 \ 105 ] من سورة " المائدة " .
وقوله تعالى :
وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه [ 11 \ 88 ] في سورة " هود " .
وقوله تعالى :
وجادلهم بالتي هي أحسن [ 16 \ 125 ] في سورة " النحل " .
ومجموع ذلك كله يشكل منهجا كاملا لمادة طريق الدعوة إلى الله تعالى ، فيما يتعلق بالداعي والمدعو وما يدعو إليه ، وكيفية ذلك . والحمد لله .