صفحة جزء
قوله تعالى : وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد

هذا ما يسمى أسلوب المدح بما يشبه الذم ، ونظيره في العربية قول الشاعر :


ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم بهن فلول من قراع الكتائب

[ ص: 486 ] وذكر أبو حيان قول الشاعر - وهو قيس الرقيات - :


ما نقموا من بني أمية إلا     أنهم يحلمون إن غضبوا

وقول الآخر :


ولا عيب فيها غير شكلة عينها     كذاك عناق الطير شكلا عيونها

يقال عين شكلاء : إذا كان في بياضها حمرة قليلة يسيرة .

وقدمنا أن نقمتهم عليهم للمستقبل ، كما في قوله تعالى : إلا أن يؤمنوا بالله ، لا على الماضي إلا أن آمنوا ; لأنهم كانوا يقولون لهم : إما أن ترجعوا عن دينكم ، وإما أن تلقوا في النار ، ولم يحرقوهم على إيمانهم السابق ، بل على إصرارهم على الإيمان للمستقبل .

والإتيان هنا بصفتي الله تعالى : " العزيز الحميد " إشعار بأنه سبحانه قادر على نصرة المؤمنين والانتقام من الكافرين ، إذ العزيز هو الغالب ، كما يقولون : من عز بز ، ولكن جاء وصفه بالحميد ; ليشعر بأمرين :

الأول : أن المؤمنين آمنوا رغبة ورهبة ، رغبة في الحميد على ما يأتي : " الغفور الودود " [ 85 \ 14 ] ، ورهبة من العزيز كما سيأتي في قوله : إن بطش ربك لشديد ، [ 85 \ 12 ] وهذا كمال الإيمان رغبة ورهبة وأحسن حالات المؤمن .

والأمر الثاني : حتى لا ييأس أولئك الكفار من فضله ورحمته ، كما قال : ثم لم يتوبوا [ 85 \ 10 ] ; إذ أعطاهم المهلة من آثار صفته الحميد سبحانه .

التالي السابق


الخدمات العلمية