لما كانت هذه السورة هي أول سورة نزلت من القرآن ، وكانت تلك الآيات الخمس أول ما نزل منها على الصحيح ، فهي بحق
افتتاحية الوحي ، فكانت موضع عناية المفسرين وغيرهم ، والكلام على ذلك مستفيض في كتب التفسير والحديث والسيرة ، فلا موجب لإيراده هنا . ولكن نورد الكلام على ما ذكرنا من موضوع الكتاب إن شاء الله .
أما المسألة الأولى : قوله تعالى : اقرأ ، فالقراءة لغة الإظهار ، والإبراز ، كما قيل في وصف الناقة : لم تقرأ جنينا ، أي لم تنتج .
وتقدم للشيخ بيان هذا المعنى لغة ، وتوجيه الأمر بالقراءة إلى نبي أمي لا تعارض فيه ; لأن القراءة تكون من مكتوب وتكون من متلو ، وهنا من متلو يتلوه عليه
جبريل عليه السلام ، وهذا إبراز للمعجزة أكثر ; لأن الأمي بالأمس صار معلما اليوم . وقد أشار السياق إلى نوعي القراءة هذين ، حيث جمع القراءة مع التعليم بالقلم .
وفي قوله تعالى : اقرأ بدء للنبوة وإشعار بالرسالة ; لأنه يقرأ كلام غيره .
وقوله تعالى :
باسم ربك ، تؤكد لهذا الإشعار ، أي : ليس من عندك ولا من عند
جبريل الذي يقرئك .
وقد قدمنا الرد على كونه صلى الله عليه وسلم لم يكتب ولا يقرأ مكتوبا ، من أنه صيانة للرسالة ، كما أنه لم يكن يقول الشعر وما ينبغي له ، إذا لارتاب المبطلون .
كما قال تعالى :
وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك الآية [ 29 \ 48 ] . وذلك عند قوله تعالى :
هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته [ 62 \ 2 ] .
[ ص: 14 ] وهنا لم يبين ما يقرؤه ولكن مجيء سورة القدر بعدها بمثابة البيان لما يقرؤه وهي :
إنا أنزلناه في ليلة القدر [ 97 \ 1 ] ، وجاء بيان ما أنزل في سورة الدخان :
حم والكتاب المبين إنا أنزلناه في ليلة مباركة [ 4 \ 1 - 3 ] .
وللشيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه بيان لذلك عند قوله تعالى :
وعلمك ما لم تكن تعلم [ 4 \ 113 ] ، فكأنه في قوة اقرأ ما يوحى إليك من ربك ، والمراد به هو القرآن بالإجماع .