[ ص: 23 ] مسألة
بيان
أولية الكتابة عامة والعربية خاصة ، وأول من خط بالقلم على الأرض :
جاء في المطالع النصرية للمطابع المصرية في الأصول الخطية المطبوع سنة 1304 هـ ما نصه : وإنما أصول الكتابة اثني عشر على ما قاله
ابن خلكان ، وتبعه كثير من المؤلفين ،
كالدميري في حياة الحيوان ،
والحلبي في السيرة وغيرهما .
قال : إن جميع كتابات الأمم من سكان المشرق والمغرب اثنتي عشرة كتابة ، خمس منها ذهب من يعرفها وبطل استعمالها وهي : الحميرية ، والقبطية ، والبربرية ، والأندلسية ، واليونانية ، وثلاث منها فقد من يعرفها في بلاد الإسلام ومستعملة في بلادها ، وهي السريانية والفارسية والعبرانية والعربية . ا هـ . كلامه باختصار وفيه ما فيه .
قال : والحميرية : هي خط
أهل اليمن قوم
هود وهم
عاد الأولى ، وهي
عاد إرم ، وكانت كتابتهم تسمى المسند الحميري ، وكانت حروفها كلها منفصلة ، وكانوا يمنعون العامة من تعلمها فلا يتعاطاها أحد إلا بإذنهم ، حتى جاءت دولة الإسلام ، وليس بجميع
اليمن من يكتب ويقرأ .
وقال
المقريزي في الخطط : القلم المسند ، هو القلم الأول من أقلام
حمير وملوك
عاد . ا هـ .
والمعروف الآن أن الحروف المستعملة في الكتابة في العالم كله بصرف النظر عن اللغات المنطوق بها هي ثلاثة فقط ، الخط العربي بحروف ألف باء وبها لغات الشرق . والحروف اللاتينية وبها لغات أوروبا والحروف الصينية .
أما اللغات ، وهي فوق ألفي لغة " والأمهرية بحرف قريب من اللاتيني " .
أما أولية الكتابة العربية ، فقال صاحب المطالع النصرية : فقد اختلفت الروايات فيها ، كما قاله الحافظ
السيوطي في الأوائل .
وكذا في المزهر في النوع الثاني والأربعين ، قال : إنه يرى أن
آدم عليه السلام أول من كتب بالقلم ، وأن الكتابات كلها من وضعه ، كان قد كتبها في طين وطبخه ، يعني
[ ص: 24 ] أحرقه ودفنه قبل موته بثلاثمائة سنة ، وبعد الطوفان وجد كل قوم كتابا فتعلموه ، وكانت اثني عشر كتابا ، فتعلموه بإلهام إلهي .
وقيل : إن أول من خط بالعربي
إسماعيل عليه السلام . ا هـ .
وقد أطال
السيوطي في المزهر الكلام في هذه المسألة ، نقلا عن
ابن فارس الشدياقي .
وعن
العسكري عن الأوائل في ذلك أقوال ، فقيل
إسماعيل ، وقيل
مرار بن مرة ، وهما من
أهل الأنبار ، وفي ذلك يقول الشاعر :
كتبت أبا جاد وخطي مرامر وسورت سربالي ولست بكاتب
وقيل : أول من وضعه أبجد ، وهوز ، وحطي ، وكلمن ، وصعفص ، وقرشت ، وكانوا ملوكا فسمي الهجاء بأسمائهم .
وذكر عن الحافظ
nindex.php?page=showalam&ids=14508أبي طاهر السلفي بسنده عن
nindex.php?page=showalam&ids=14577الشعبي قال : أول من كتب بالعربية
حرب بن أمية بن عبد شمس ، تعلم من
أهل الحيرة ، وتعلم
أهل الحيرة من
أهل الأنبار .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11939أبو بكر بن أبي داود في كتاب المصاحف : حدثنا
عبد الله بن محمد الزهري حدثنا
سفيان عن
مجالد عن
nindex.php?page=showalam&ids=14577الشعبي قال : سألنا
المهاجرين من أين تعلمتم الكتابة ؟ قالوا : تعلمنا من
أهل الحيرة ، وسألنا
أهل الحيرة : من أين تعلمتم الكتابة ؟ قالوا : من
أهل الأنبار ، ثم قال
ابن فارس : والذي نقوله : إن الخط توقيفي ، وذلك لظاهر قوله تعالى :
الذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم .
وقوله :
ن والقلم وما يسطرون [ 68 \ 1 ] .
وإذا كان هذا فليس ببعيد ، أن يوقف الله
آدم أو غيره من الأنبياء عليهم السلام على الكتابة ، فأما أن يكون شيئا مخترعا اخترعه من تلقاء نفسه ، فهذا شيء لا نعلم صحته إلا من خبر صحيح .
قال
السيوطي : قلت يؤيد ما قاله من التوقيف ، ما أخرجه
ابن شقة من طريق
nindex.php?page=showalam&ids=15992سعيد بن جبير عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس قال : " أول كتاب أنزله الله من السماء أبا جاد " .
وأخرج الإمام
أحمد في مسنده عن
أبي ذر ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "
أول من خط بالقلم إدريس عليه السلام " . ا هـ .
[ ص: 25 ] وقد أطال النقول في ذلك مما يرجع إلى الأول ، وليس فيه نقل صحيح يقطع به .
وقد أوردنا هذه النبذة بخصوص كلام
ابن فارس ، من أن تعليم الكتابة أمر توقيفي ، وما استدل به
السيوطي من أول كتاب أنزله الله من السماء ، فإن في القرآن ما يشهد لإمكان ذلك ، وهو أن الله تعالى أنزل الصحف
لموسى مكتوبة .
وفي الحديث : "
إن الله كتب الألواح لموسى بيده ، وغرس جنة عدن بيده " .
وإذا كان
موسى تلقى ألواحا مكتوبة ، فلا بد أن تكون الكتابة معلومة له قبل إنزالها ، وإلا لما عرفها .
أما المشهور في الأحرف التي نكتب بها الآن ، فكما قال
السيوطي في المزهر ، ونقله عنه صاحب المطالع المصرية ما نصه :
المشهور عند أهل العلم ما رواه
nindex.php?page=showalam&ids=12861ابن الكلبي عن
عوانة ، قال : أول من كتب بخطنا هذا . وهو الجزم
مرامر بن مرة ،
وأسلم بن سدرة ،
وعامر بن حدرة . كما في القاموس . وهم من عرب
طيئ تعلموه من كتاب الوحي لسيدنا
هود عليه السلام ، ثم علموه
أهل الأنبار ، ومنهم انتشرت الكتابة في
العراق والحيرة وغيرها ، فتعلمها
بشر بن عبد الملك أخو
أكيدر بن عبد الملك صاحب
دومة الجندل ، وكانت له صحبة
بحرب بن أمية فتعلم
حرب منه ، ثم سافر معه
بشر إلى
مكة فتزوج
الصهباء بنت حرب أخت أبي سفيان . فتعلم منه جماعة من
أهل مكة .
فبهذا كثر من يكتب
بمكة من
قريش قبيل الإسلام .
ولذا قال رجل كندي من
أهل دومة الجندل ، يمن على
قريش بذلك :
لا تجحدوا نعماء بشر عليكم فقد كان ميمون النقيبة أزهرا
أتاكم بخط الجزم حتى حفظتمو من المال ما قد كان شتى مبعثرا
وأتقنتمو ما كان بالمال مهملا وطمأنتمو ما كان منه مبقرا
فأجريتم الأقلام عودا وبدأة وضاهيتم كتاب كسرى وقيصرا
وأغنيتم عن مسند إلى حميرا وما زبرت في الصحف أقلام حميرا
قال : وكذلك ذكر
النووي في شرح
مسلم نقل عن
الفراء ، أنه قال : إنما كتبوا الربا في المصحف بالواو ; لأن
أهل الحجاز تعلموا الخط من
أهل الحيرة ، ولغتهم الربوا ، فعلموهم صورة الخط على لغتهم . ا هـ .
[ ص: 26 ] تنبيه آخر
قوله تعالى :
الذي علم بالقلم ، لا يمنع
تعليمه تعالى بغير القلم ، كما في قصة
الخضر مع
موسى عليه السلام في قوله تعالى :
فوجدا عبدا من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما [ 18 \ 65 ] .
وكما في حديث : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=2003110نفث في روعي أنه لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها وأجلها " الحديث .
وكما في حديث الرقية بالفاتحة لمن لدغته العقرب في قصة السرية المعروفة ، فلما سأله صلى الله عليه وسلم : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009845وما يدريك أنها رقية ؟ قال : شيء نفث في روعي " .
وحديث
علي لما سئل " هل خصكم رسول الله صلى الله عليه وسلم بعلم ؟ قال : لا ، إلا فهما يؤتيه الله من شاء في كتابه . وما في هذه الصحيفة " .
وقوله :
واتقوا الله ويعلمكم الله [ 2 \ 282 ] . نسأل الله علم ما لم نعلم ، والعمل بما نعلم . وبالله التوفيق .