قوله تعالى :
لئن لم ينته لنسفعا بالناصية ناصية كاذبة خاطئة
. قال الشيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه في دفع إيهام الاضطراب : أسند الكذب إلى الناصية ، وفي مواضع أخرى أسنده إلى غير الناصية ، كقوله :
إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله وأولئك هم الكاذبون [ 16 \ 105 ] .
وذكر الجواب بأنه أطلق الناصية وأراد صاحبها على أسلوب لإطلاق البعض وإيراد الكل ، وذكر الشواهد عليه القرآن كقوله تعالى :
تبت يدا أبي لهب وتب [ 111 \ 1 ] .
والذي ينبغي التنبيه عليه من جهة البلاغة : أن البعض الذي يطلق ويراد به الكل ، لا
[ ص: 29 ] بد في هذا البعض من مزيد مزية للمعنى المساق فيه الكلام .
فمثلا هنا ذم الكذب وأخذ الكاذب بكذبه ، فجاء ذكر الناصية وهي مقدم شعر الرأس ; لأنها أشد نكارة على صاحبها ونكالا به ، إذ الصدق يرفع الرأس والكذب ينكسه ذلة وخزيا .
فكانت هي هنا أنسب من اليد أو غيرها ، بينما في
أبي لهب تطاول بماله ، والغرض مذمة ماله وكسبه الذي تطاول به ، واليد هي جارحة الكسب وآلة التصرف في المال ، فكانت اليد أولى فيه من الناصية .
وهكذا كما يقولون : بث الأمير عيونه : يريدون جواسيس له ; لأن العين من الإنسان أهم ما فيه لمهمته تلك . ولم يقولوا : بث أرجله ولا رءوسا ولا أيد ، لأنها كلها ليست كالعين في ذلك .
ومن هذا القبيل
قلوب يومئذ واجفة [ 79 \ 8 ] ،
ياأيتها النفس المطمئنة [ 89 \ 27 ] .
لأن القلب هو مصدر الخوف والنفس هي محط الطمأنينة ، على أن النفس جزء من الإنسان ، وهكذا ، ومنه الآتي :
واسجد واقترب [ 96 \ 19 ] ، أطلق السجود وأراد الصلاة ; لأن السجود أخص صفاتها .