قوله تعالى :
رضي الله عنهم ورضوا عنه .
يعتبر هذا الإخبار من حيث
رضوان الله تعالى على العباد في الجنة ، من باب العام بعد الخاص .
وقد تقدم في سورة الليل في قوله تعالى :
وسيجنبها الأتقى الذي يؤتي ماله يتزكى إلى قوله
ولسوف يرضى [ 92 \ 17 - 21 ] ، واتفقوا على أنها في الصديق رضي الله عنه كما تقدم ، وجاء في التي بعدها سورة والضحى قوله تعالى :
ولسوف يعطيك ربك فترضى [ 93 \ 5 ] ، أي : للرسول صلى الله عليه وسلم .
وهنا في عموم :
إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية ، فهي عامة في جميع المؤمنين الذين هذه صفاتهم ، ثم قال :
رضي الله عنهم ، وقد جاء ما يبين سبب رضوان الله تعالى عليهم وهو بسبب أعمالهم ، كما في قوله تعالى :
لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة [ 48 \ 1 ] فكانت المبايعة سببا للرضوان .
وفي هذه الآية الإخبار بأن الله رضي عنهم ورضوا عنه ، ولم يبين زمن هذا الرضوان أهو سابق في الدنيا أم حاصل في الجنة ، وقد جاءت آية تبين أنه سابق في الدنيا ، وهي قوله تعالى :
والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم [ 9 \ 100 ] ، فقوله تعالى :
رضي الله عنهم ورضوا عنه ، ثم يأتي بعدها :
وأعد لهم جنات .
[ ص: 54 ] فهو في قوة الوعد في المستقبل ، فيكون الإخبار بالرضى مسبقا عليه .
وكذلك آية سورة الفتح في البيعة تحت الشجرة إذ فيها :
لقد رضي الله عن المؤمنين [ 48 \ 18 ] ، وهو إخبار بصيغة الماضي ، وقد سميت " بيعة الرضوان " .
تنبيه
في هذا الأسلوب الكريم سؤال ، وهو أن العبد حقا في حاجة إلى أن يعلم رضوان الله تعالى عليه ; لأنه غاية أمانيه ، كما قال تعالى :
ذلك الفوز العظيم .
أما الإخبار عن رضى العبد عن الله ،
فهل من حق العبد أن يسأل عما إذا كان هو راضيا عن الله أم لا ؟ إنه ليس من حقه ذلك قطعا ، فيكون الإخبار عن ذلك بلازم الفائدة ، وهي أنهم في غاية من السعادة والرضى فيما هم فيه من النعيم إلى الحد الذي رضوا وتجاوز رضاهم حد النعيم إلى الرضى عن المنعم .
كما يشير إلى شيء من ذلك آخر آية النبأ :
عطاء حسابا [ 78 \ 36 ] ، قالوا : إنهم يعطون حتى يقولوا : حسبنا حسبنا ، أي : كافينا .