[ ص: 56 ] بسم الله الرحمن الرحيم
سورة الزلزلة
قوله تعالى :
إذا زلزلت الأرض زلزالها وأخرجت الأرض أثقالها وقال الإنسان ما لها يومئذ تحدث أخبارها بأن ربك أوحى لها يومئذ يصدر الناس أشتاتا ليروا أعمالهم
الزلزلة : الحركة الشديدة بسرعة ، ويدل لذلك فقه اللغة من وجهين :
الأول : تكرار الحروف ، أو ما يقال تكرار المقطع الواحد ، مثل صلصل وقلقل وزقزق ، فهذا التكرار يدل على الحركة .
والثاني : وزن فعل بالتضعيف كغلق وكسر وفتح ، فقد اجتمع في هذه الكلمة تكرار المقطع وتضعيف الوزن .
ولذا ، فإن الزلزال أشد ما شهد العالم من حركة ، وقد شوهدت حركات زلزال في أقل من ربع الثانية ، فدمر مدنا وحطم قصورا .
ولذا فقد جاء وصف هذا الزلزال بكونه شيئا عظيما في قوله تعالى :
إن زلزلة الساعة شيء عظيم [ 22 \ 1 ] ، ويدل على هذه الشدة تكرار الكلمة في " زلزلت " وفي " زلزالها " ، كما تشعر به هذه الإضافة .
وقد تقدم للشيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه ، إيراد النصوص المبينة لذلك في أول سورة الحج كقوله تعالى :
وحملت الأرض والجبال فدكتا دكة واحدة [ 69 \ 14 ] ، وقوله :
إذا رجت الأرض رجا وبست الجبال بسا [ 56 \ 4 - 5 ] ، وقوله :
يوم ترجف الراجفة تتبعها الرادفة [ 79 \ 6 - 7 ] ، وساق قوله :
وأخرجت الأرض أثقالها [ 99 \ 2 ] .
واختلف في الأثقال ما هي على ثلاثة أقوال :
[ ص: 57 ] فقيل : موتاها . وقيل : كنوزها ، وقيل : التحدث بما عمل عليها الإنسان . ولعل الأول أرجح هذه الثلاثة ; لأن إخراج كنوزها سيكون قبل النفخة ، والتحدث بالأعمال منصوص عليه بذاته ، فليس هو الأثقال . ورجحوا القول الأول لقوله تعالى :
ألم نجعل الأرض كفاتا أحياء وأمواتا [ 77 \ 25 - 26 ] .
وقالوا : الإنس والجن ثقلان على ظهرها ، فهما ثقل عليها ، وفي بطنها فهم ثقل فيها ، ولذا سميا بالثقلين . قاله
nindex.php?page=showalam&ids=16785الفخر الرازي nindex.php?page=showalam&ids=16935وابن جرير .
وروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : أنه موتاها .
وشبيه بذلك قوله :
وإذا الأرض مدت وألقت ما فيها وتخلت [ 48 \ 3 - 4 ] ، ولا يبعد أن يكون الجميع إذا راعينا صيغة الجمع أثقالها ، ولم يقل ثقلها ، وإرادة الجمع مروية أيضا عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس . ذكره
الألوسي ،
nindex.php?page=showalam&ids=16935وابن جرير عنه وعن
مجاهد .
وحكى الشيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه القولين في إملائه : أي موتاها ، وقيل : كنوزها .
وقوله تعالى :
وقال الإنسان ما لها ، لفظ الإنسان هنا عام وظاهره أن كل إنسان يقول ذلك ، ولكن جاء ما يدل على أن الذي يقول ذلك هو الكافر . أما المؤمن فيقول :
هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون ، وذلك في قوله :
ونفخ في الصور فإذا هم من الأجداث إلى ربهم ينسلون قالوا ياويلنا من بعثنا من مرقدنا هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون [ 36 \ 51 - 52 ] .
فالكافر يدعو بالويل والمؤمن يطمئن للوعد ، ومما يدل على أن الجواب من المؤمنين ، لا من الملائكة ، كما يقول بعض الناس ، ما جاء في آخر السياق قوله :
فإذا هم جميع أي : كلا الفريقين
لدينا محضرون .
وقوله : ما لها سؤال استيضاح وذهول من هول ما يشاهد .
وقوله :
يومئذ تحدث أخبارها ، التحديث هنا صريح في الحديث وهو على حقيقته ; لأن في ذلك اليوم تتغير أوضاع كل شيء وتظهر حقائق كل شيء ، وكما أنطق الله الجلود ينطق الأرض ، فتحدث بأخبارها ،
وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء [ 41 \ 21 ]
[ ص: 58 ] وتقدم تفصيل ذلك عند أول سورة الحشر ; لأن الله أودع في الجمادات القدرة على الإدراك والنطق ، والمراد بإخبارها أنها تخبر عن أعمال كل إنسان عليها في حال حياته .
ومما يشهد لهذا المعنى حديث المؤذن "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009859لا يسمع صوته حجر ولا مدر إلا وشهد له يوم القيامة " ، وذكر
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير وجها آخر ، وهو أن إخبارها هو ما أخرجته من أثقالها بوحي الله لها ، والأول أظهر لأنه يثبت معنى جديدا . ويشهد له الحديث الصحيح .