قوله تعالى :
فأما من ثقلت موازينه فهو في عيشة راضية .
في قوله :
ثقلت موازينه دلالة على وقع الوزن لكل إنسان .
والموازين : يراد بها الموزون ، ويراد بها آلة الوزن ، كالمعايير ، وهما متلازمان .
وتقدم أن المعايير بالذرة وأقل منها .
وقد جاء نصوص على وضع الموازين وإقامتها بالعدل والقسط .
وتقدم للشيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه بيان ذلك عند قوله تعالى :
ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين [ 21 \ 47 ] .
[ ص: 73 ] وقوله :
فهو في عيشة راضية ، قالوا : بمعنى مرضية ، وراضية أصلها مرضية ، كما في قوله :
وجوه يومئذ ناعمة لسعيها راضية [ 88 \ 8 - 9 ] ، إسناد الرضى للعيشة ، على أنها هي فاعلة الرضى ; لأن كلمة العيشة جامعة لنعيم الجنة وأسباب النعيم ، راضية طائعة لينة لأصحاب الجنة ، فتفجر لهم الأنهار طواعية ، وتدنو الثمار طواعية ، كما في قوله :
قطوفها دانية [ 69 \ 23 ] .
فالقول الأول : هو المعروف في البلاغة بإطلاق المحل وإرادة الحال ، كقوله تعالى :
فليدع ناديه [ 96 \ 17 ] .
والنادي : مكان منتدى القوم ، أي ينادي بعضهم بعضا للاجتماع فيه .
والمراد : من يحل في هذا النادي ، ويكون هنا أطلق المحل وهو محل العيشة ، وأراد الحال فيها .
وعلى الثاني : فهو إسناد حقيقي من إسناد الرضى لمن وقع منه أو قام به . ومما هو جدير بالذكر أن حمله على الأسلوب البياني ليس متجها كالآية الأخرى ; لأن العيشة ليست محلا لغيرها بل هي حالة ، والمحل الحقيقي هو الجنة والعيشة حالة فيها ، وهي اسم لمعاني النعيم كما تقدم ، فيكون حمل الإسناد على الحقيقة أصح .
وقد جاءت الأحاديث : أن الجنة تحس بأهلها وتفرح بعمل الخير ، كما أنها تتزين وتبتهج في رمضان ، وأنها تناظرت مع النار . وكل يدلي بأهله وفرحه بهم ، حتى وعد الله كلا بملئها .
ونصوص
تلقي الحور والولدان والملائكة في الجنة لأهل الجنة بالرضى والتحية معلومة .
وقوله :
لهم فيها فاكهة ولهم ما يدعون [ 36 \ 57 ] ، أي : لا يتأخر عنهم شيء .
وقوله :
وقال لهم خزنتها سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين [ 39 \ 73 ] .
وقوله :
فيهن قاصرات الطرف لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان [ 55 \ 56 ] .
وقاصرات الطرف عن رضى بأهلهن . ومنه
حور مقصورات في الخيام [ 55 \ 72 ] ، أي على أزواجهن .
[ ص: 74 ] وقوله :
ودانية عليهم ظلالها وذللت قطوفها تذليلا [ 76 \ 14 ] ، ونحو ذلك ، مما يشعر بأن نعيم الجنة بنفسه راض بأهل الجنة ، والله سبحانه وتعالى أعلم .