[ ص: 76 ] بسم الله الرحمن الرحيم
سورة التكاثر
قوله تعالى :
ألهاكم التكاثر حتى زرتم المقابر .
ألهاكم : أي : شغلكم ، ولهاه : تلهيه ، أي علله .
ومنه قول
امرئ القيس :
فمثلك حبلى قد طرقت ومرضع فألهيتها عن ذي تمائم محول
أي : شغلتها .
والتكاثر : المكاثرة . ولم يذكر هنا في أي شيء كانت المكاثرة التي ألهتهم .
قال
ابن القيم : ترك ذكره ، إما لأن المذموم هو نفس التكاثر بالشيء لا المتكاثر به ، وإما إرادة الإطلاق . ا هـ .
ويعني رحمه الله بالأول : ذم الهلع ، والنهم .
وبالثاني : ليعم كل ما هو صالح للتكاثر به ، مال وولد وجاه ، وبناء وغراس .
ولم أجد لأحد من المفسرين ذكر نظير لهذه الآية .
ولكنهم اتفقوا على ذكر سبب نزولها في الجملة ، من أن حيين تفاخرا بالآباء وأمجاد الأجداد ، فعددوا الأحياء ، ثم ذهبوا إلى المقابر ، وعدد كل منهما ما لهم من الموتى يفخرون بهم ، ويتكاثرون بتعدادهم .
وقيل : في
قريش بين
بني عبد مناف وبني سهم .
وقيل : في
الأنصار .
وقيل : في
اليهود وغيرهم ، مما يشعر بأن التكاثر كان في مفاخر الآباء .
[ ص: 77 ] وقال
القرطبي : الآية تعم جميع ما ذكر وغيره .
وسياق حديث الصحيح : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009866لو أن لابن آدم واديا من ذهب ، لأحب أن يكون له واديان ، ولن يملأ فاه إلا التراب ، ويتوب الله على من تاب " .
قال
ثابت : عن
أنس عن
أبي : كنا نرى هذا من القرآن حتى نزلت :
ألهاكم التكاثر .
وكأن
القرطبي يشير بذلك إلى أن التكاثر بالمال أيضا .
وقد جاءت نصوص من كتاب الله تدل على أن التكاثر الذي ألهاهم ، والذي ذمهم الله بسببه أو حذرهم منه ، إنما هو في الجميع ، كما في قوله تعالى :
اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد كمثل غيث أعجب الكفار نباته ثم يهيج فتراه مصفرا ثم يكون حطاما إلى قوله
وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور [ 57 \ 20 ] .
ففيه التصريح : بأن التفاخر والتكاثر بينهم في الأموال والأولاد .
ثم جاءت نصوص أخرى في هذا المعنى كقوله :
وما الحياة الدنيا إلا لعب ولهو وللدار الآخرة خير للذين يتقون [ 6 \ 32 ] .
وقوله :
وما هذه الحياة الدنيا إلا لهو ولعب وإن الدار الآخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون [ 29 \ 64 ] .
ولكون الحياة الدنيا بهذه المثابة ، جاء التحذير منها والنهي عن أن تلههم ، في قوله تعالى :
ياأيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون [ 63 \ 9 ] .
وبين تعالى أن ما عند الله للمؤمنين خير من هذا كله في قوله :
وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها وتركوك قائما قل ما عند الله خير من اللهو ومن التجارة والله خير الرازقين [ 62 \ 9 ] .
ومما يرجح أن
التكاثر في الأموال والأولاد في نفس السورة ، ما جاء في آخرها من
[ ص: 78 ] قوله :
ثم لتسألن يومئذ عن النعيم [ 102 \ 8 ] ، لمناسبتها لأول السورة .
كما هو ظاهر بشمول النعيم للمال شمولا أوليا .
وقوله :
حتى زرتم المقابر .
أخذ منه من قال : إن تفاخرهم حملهم على الذهاب إلى المقابر ليتكاثروا بأمواتهم ، كما جاءت في أخبار أسباب النزول المتقدمة .
والصحيح في " زرتم المقابر " : يعني متم ; لأن الميت يأتي إلى القبر كالزائر لأن وجوده فيه مؤقتا .
وقد روي : أن أعرابيا سمع هذه الآية ، فقال : بعثوا ورب
الكعبة ، فقيل له في ذلك ، فقال : لأن الزائر لا بد أن يرتحل .